الله توبة نصوحا} (1) وقوله: {واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود} (2). إلى غير ذلك من الآيات التي تكشف عن أن توبة العبد تجلب المغفرة بلا واسطة أحد وقد تصل بتوسيط واسطة هي من أعز عباده وأفضل خليقته وبريته.
وتتضح هذه الحقيقة إذا وقفنا على أن الدعاء بقول مطلق - وبخاصة دعاء الصالحين - من المؤثرات الواقعة في سلسلة نظام العلة والمعلول، ولا تنحصر العلة في العلل الواقعة في إطار الحس فإن في الكون مؤثرات خارجة عن إحساسنا وحواسنا، بل قد تكون بعيدة حتى عن تفكيرنا، يقول سبحانه: {والنازعات غرقا * والناشطات نشطا * والسابحات سبحا * فالسابقات سبقا * فالمدبرات أمرا} (3).
فما المراد من هذه {المدبرات أمرا} أهي مختصة بالمدبرات الطبيعية المادية، أو المراد هو الأعم منها؟ فقد روي عن علي (عليه السلام) تفسيرها بالملائكة الأقوياء الذين عهد الله إليهم تدبير الكون والحياة بإذنه سبحانه، فكما أن هذه المدبرات يجب الإيمان بها وإن لم تعلم كيفية تدبيرها وحقيقة تأثيرها، فكذلك الدعاء يجب الإيمان بتأثيره في جلب المغفرة، ودفع العذاب وإن لم تعلم كيفية تأثيره.