وعندما التحق النبي بالرفيق الأعلى ورأى المسلمون أن من واجبهم حفظ القرآن من الضياع خصوصا بعدما لحقت بالمسلمين في الحروب خسارة كبيرة باستشهاد مجموعة كبيرة من القراء، فصار الحكم الكلي (لزوم حفظ القرآن) مبدأ لإجراء عمليات مختلفة عبر الزمان، وكلها أمور دينية مستمدة من الحكم الكلي، أي لزوم حفظ القرآن والسنة، فعمدوا إلى كتابة القرآن وتنقيطه وإعراب كلمه وجمله، وعد آياته وتمييزها بالنقاط الحمراء، وأخيرا طباعته ونشره، وتشجيع حفاظه وقرائه وتكريمهم في احتفالات خاصة، إلى غير ذلك من الأمور التي تعتبر كلها دعما لحفظ القرآن وتثبيته، وإن لم يفعل بعضها رسول الله ولا أصحابه ولا التابعون، إذ يكفينا وجود أصل له في الأدلة.
4 - إن من واجب المسلمين الاستعداد الكامل أمام هجمات الكفار، وأخذ الحيطة والحذر في كل ما يحتمل خطره عليهم، يقول سبحانه: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} (1) ففي الآية نوعان من الدليل: خاصان في مورد رباط الخيل، فلو جهزت الحكومة الإسلامية جندها بالخيل فقد امتثلت الأمر الإلهي، كما إذا تسلحت بالغواصات والأساطيل البحرية والطائرات المقاتلة إلى غير ذلك من وسائل الدفاع، فقد جسدت الآية وطبقتها على مصاديقها التي لم تكن موجودة في عصر النبي، وإنما حدثت بعده.
فهذه الموارد كلها أمور شرعية غير عادية، بشهادة أن الإنسان يقوم بها بنية امتثال ما ورد في الشرع، وليس للمتزمت أن يرفضها بحجة أنه ليس هنا دليل خاص عليها، وذلك لأن اللازم في نفي البدعة لزوم الدليل عاما أو خاصا، لا وجود دليل خاص، فالدليل العام بعمومه حجة في جميع الأجيال على جميع الناس في كل