سائر الكيفيات بل كان التخصيص تابعا لعوامل داخلة في حياة الإنسان.
وأما الأسباب التي اتخذها ذريعة للحكم بالبدعة فإليك دراستها:
أما السبب الأول: أعني قوله: " إن فيها تخصيصا بغير مخصص من الشرع " فغير مضر، إذ التخصيص إنما يكون بدعة إذا نسبه إلى الشرع، دون ما كان نتيجة ظروف فرضت عليه اختيار هذا الفرد مع الاعتراف بأنه مثل سائر الأفراد.
وأما السبب الثاني: أعني قوله: " إن مثل هذه الأمور عمل اشتبه أمره... " فهو مثل الأول، فإنه مشتبه لمن لم يدرس البدعة حقها دون من درسها.
وأما السبب الثالث: أعني قوله: " مخالفة السنة حيث ترك مثل هذا العمل... " فذلك لأن تركهم لا يكون حجة على كون العمل بدعة بعد افتراض سعة رقعة الدليل، وتركهم فردا خاصا لا يدل على عدم مشروعيته، إذ لم يكونوا يعانون من الإتيان بسائر الأفراد فلأجله تركوا ذاك الفرد، بخلاف الإنسان الذي فرضت الظروف عليه مداومة هذا الفرد أو كان نشاطه محفوظا فيه دون سائر الأفراد.
ولو صح ما ذكره يجب ترك المسنونات أحيانا، لئلا يتخيل الجاهل أنها فريضة، فعلى من يرى القبض في الصلاة سنة، تركه في حين بعد حين، دفعا لعادية الجهل.
وعلى من يقيم صلاة التراويح جماعة تركها والإتيان بها فرادى، لئلا يعتقد الجاهل أن التشريع مختص بالجماعة. إلى غير ذلك من المضاعفات التي لا يلتزم بها الشاطبي وغيره.
فجهل الجاهل، لا يكون سببا لترك المسنون، لأنه لو قصر في التعليم فما ذنب من يريد الإتيان به وإنما علينا دفع عاديته. وبذلك يظهر حسن إتيان المساجد التي صلى النبي فيها، وذلك لعموم الدليل الشامل لتمام المساجد التي صلى فيها أم لم يصل، وإنما يختار ذلك لأجل التبرك الذي تضافر النص بجوازه، وليس تخصيصها