وأكثر ما كان يتحقق منه هو اشتراك جمع من مدينة واحدة أو من قبيلة معينة على أن يتعاونوا فيما بينهم، وأين هذا من التعاون السائد في عصرنا هذا كتعاون دول المنطقة على إجراء مشروع مفيد للمنطقة، أو تعاونهم على ضرب حكومة إسلامية فتية خوفا على كراسيهم ومناصبهم.
ولو أن المتزمتين درسوا هذا البحث دراسة عميقة لربما خمدت ثورتهم ضد المسلمين الذين يعملون الخير امتثالا لحكم الدين.
لقد كان في التاريخ الإسلامي أناس يفهمون - بصفاء أذهانهم وخلوص قرائحهم - أن ما ورد في الكتاب والسنة من وصفه سبحانه بصفات الجمال والكمال أسوة لما لم يرد، فللمسلم أن يدعو ربه بأوصاف جميلة وإن لم ترد حرفيا في الكتاب والسنة.
روى الطبراني: " أن النبي عليه الصلاة والسلام مر على أعرابي وهو يدعو في صلاته ويقول: " يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث، ولا يخشى الدوائر، يعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما أظلم عليه الليل، وأشرق عليه النهار، لا توارى سماء منه سماء، ولا أرض أرضا، ولا بحر ما في قعره، ولا جبل ما في وعره، اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك ".
فوكل رسول الله بالأعرابي رجلا، وقال: إذا صلى فأتني به، وكان قد أهدي بعض الذهب إلى رسول الله، فلما جاء الأعرابي، وهب له الذهب، وقال له: تدري لم وهبت لك؟
قال الأعرابي: للرحم التي بيني وبينك.