وقد أورد على مذهبه مناقشات كثيرة أظهرها:
الأولى: إن الفضيلة لا تدور على رحى الاعتدال في جميع الظروف والشرائط، إذ ربما لا يوجد بين السعادة والشقاء حد وسط، فالصدق فضيلة والكذب رذيلة دون أن يكون بينهما حد وسط.
فالعمل بالعهد حسن كما أن نقض الميثاق قبيح وليس بينهما حد وسط، ونظير ذلك طلب العلم، ومقابله الجهل.
فالأول حسن بمكان مهما أفرط في تحصيله، وليس الحسن هو الحد الوسط، وليس المراد من الإفراط في العلم ترك سائر الوظائف بل تحصيل العلم مع ما عليه من الوظائف الفردية والعائلية.
الثانية: إن العلم بالحد الوسط من بين الصفات أمر صعب المنال، لأن الوقوف على الحد الوسط فرع معرفة قوى الإنسان الروحية والجسمانية، ثم معرفة الحد الوسط منه، وهذا ليس أمرا سهلا لكل من طلب التخلق بالأخلاق الحسنة.
الثالثة: ربما يطرأ التزاحم بين تحقيق الاعتدال بين الصفات فلم يعط ضابطة على ضوئها يتم تقديم إحداهما على الأخرى.
ثم إن الحكيم النراقي (1128 - 1209 ه) يؤيد مذهب الاعتدال في كتابه " جامع السعادات " ويقرره بصورة واضحة تستغرق صحائف كثيرة، نقتبس منها ما يلي:
إن القوى في الإنسان أربع: قوة نظرية عقلية، وقوة وهمية خيالية، وقوة سبعية غضبية، وقوة بهيمية شهوية.
والصورة المعتدلة من أعمال هذه القوى هي الفضيلة، والانحراف عن الوسط إما إلى طرف الإفراط أو إلى طرف التفريط، رذيلة، فيكون بإزاء كل فضيلة