يعمل به ومن لم يعمل فإنما هو لجهله، فلا محيص لنا من استئصال الفساد الأخلاقي بالقضاء على الجهل ومكافحة الأمية، وعلى ذلك فرأس الفضيلة هو الحكمة والمعرفة، فكل فضيلة نوع من الحكمة، مثلا الشجاعة عبارة عن معرفة ما يجب أن يخاف منه وما لا يخاف، وأن الفقه عبارة عن العلم بالحد الذي يجب أن يراعى به أعمال الشهوات، كما أن العدالة عبارة عن العلم بالأصول والضوابط التي يجب أن تراعى في تنظيم رابطة الإنسان مع أخيه الإنسان.
فإذا كانت الحكمة مبدأ للفضيلة، والمعرفة منشأ للأخلاق، فكل حكيم أخلاقي ولا ينفك عن الأخلاق. (1) وحصيلة الكلام: أن المذهب الأخلاقي لأفلاطون مبني على أمرين:
أ. لو أن إنسانا وقف على الخير والشر على ما هما عليه، ففعله يكون على وفق الأخلاق دائما ولا يخرج عن إطاره.
ب. إن القضايا الأخلاقية، قضايا كلية عامة شاملة لجميع الظروف والشرائط، ولذلك ليس لبني آدم إلا نوع من الحياة فيه سعادته لا أكثر.
هذه عصارة نظرية أفلاطون في الأخلاق، وقد يؤاخذ عليها بأمور أوضحها بأن العلم بالفضيلة أو الرذيلة لا يكفي في التخلق ولا في الاجتناب عن الشر ما لم تدعمه التربية والتهذيب.
وبعبارة أخرى: أن العلم وإن كان مؤثرا في سعادة الناس وأن قسما من الجرائم نتيجة جهل الإنسان بمضاعفاتها ونتائجها، ولكن نفس العلم لا يكفي لكبح جماح النفس، إذ رب عالم قد قتله جهله، وعلمه معه لم ينفعه. (2)