وأما المجتمع الذي لم يتجذر الفساد فيه، وكان له دور هامشي ففي مثل هذا النوع من المجتمعات لا داعي إلى نشوب الثورات بغية إصلاح المجتمع، لأن الإصلاح رهن التحقق دونها، وهذا خير شاهد على أن القوانين الطبيعية ليست أسوة للإنسان على نحو مطلق، بل الإنسان بما هو موجود مختار، له أن ينتخب أيسر السبل لإصلاح المجتمع، سواء وافق ما يجري في الطبيعة أم خالف.
نعم لما كانت الماركسية بصدد بيان فلسفة ما تتبناه من الأصول في حياتها السياسية لم تجد بدا من جعل ناموس الطبيعة وقوانينها مقياسا للحياة، ولم يتبن ذلك الأصل إلا لتبرر به ثورتها على الرأسمالية والامبريالية.
2. لو وجب أن تكون الآيديولوجية انعكاسا لما يجري في الطبيعة لكان اللازم اتخاذ ناموس تنازع البقاء وناموس الانتخاب الطبيعي - اللذين هما من الأركان الأربعة لنظرية النشوء والارتقاء في نظرية دارون - عمادا في الحياة، وإبقاء فتيل الفتن والحروب مشتعلا بين الضعفاء والأقوياء، بشكل دائم ومستمر حتى يتغلب الأقوياء على الضعفاء، ولا لوم على أي مجرم يشعل حربا ضروسا، ويهلك الحرث والنسل ويعذب البشرية ويدمر الحضارة، لأنها سنة عملية محاكية للسنة النظرية. هذا ما لا يقبله عاقل، ولا يرضاه ضمير حي.
ومن هنا يعلم أن الماركسية لم تتشبث بهذا الأصل إلا لتدعم آيديولوجيتها وأفكارها الحزبية، فهي تتبنى فوق كل شئ وقبل الرؤية الكونية لزوم الإطاحة بالرأسماليين والإقطاعيين ومن يدعمهم من النظام السياسي، فوجدت بغيتها في نظام القفزات في الطبيعة، ثم التغييرات الكمية تتبدل فجأة إلى تبدلات كيفية أو نوعية، فاستخدمتها لدعم نظريتها الحزبية، ولولا هذا الدعم لأسدل على نظام القفزات ستار النسيان.