سلف إلى زمان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -.
وقال في البيان: " وقد أطلق لفظ الكتاب على القرآن في كثير من آياته الكريمة، وفي قول النبي - صلى الله عليه وآله -: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي " وفي هذا دلالة على أنه كان مكتوبا مجموعا، لأنه لا يصح اطلاق الكتاب عليه وهو في الصدور، بل ولا على ما كتب في اللخاف (الحجارة البيض الرقاق) والعسب (الجرائد) والأكتاف إلا على نحو المجاز والعناية، والمجاز لا يحمل اللفظ عليه من غير قرينة، فإن لفظ الكتاب ظاهر فيما كان له وجود واحد جمعي، ولا يطلق على المكتوب إذا كان مجزءا غير مجتمع، فضلا عما إذا لم يكتب وكان محفوظا في الصدور فقط " (1). ولا يضر استعمال الكتاب في بعض الآيات مجازا في أن لفظ الكتاب من دون قرينة على الخلاف ظاهر في معناه الحقيقي. وقال في موضع آخر: " إن اسناد جمع القرآن إلى الخلفاء أمر موهوم مخالف للكتاب والسنة والإجماع والعقل، فلا يمكن للقائل بالتحريف أن يستدل به على دعواه، ولو سلمنا أن جامع القرآن هو أبو بكر في أيام خلافته، فلا ينبغي الشك في أن كيفية الجمع المذكورة في الروايات المتقدمة مكذوبة، وأن جمع القرآن كان مستندا إلى التواتر بين المسلمين، غاية الأمر أن الجامع قد دون في المصحف ما كان محفوظا في الصدور على نحو التواتر، نعم لا شك أن عثمان قد جمع القرآن في زمانه، لا بمعنى أنه جمع الآيات والسور في مصحف، بل بمعنى أنه جمع المسلمين على قراءة إمام واحد، وأحرق المصاحف الأخرى التي تخالف ذلك المصحف، وكتب إلى البلدان أن يحرقوا ما عندهم منها، ونهى المسلمين عن الاختلاف في القراءة، وقد صرح بهذا كثير من أعلام أهل السنة.
قال الحارث المحاسبي: " المشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان، وليس