ولأجل هذا يعسر على الإنسان المتمدن المثقف، فضلا عن الوحشي الجاهل، أن يصل بنفسه إلى جميع طرق الخير والصلاح ومعرفة جميع ما ينفعه ويضره في دنياه وآخرته، فيما يتعلق بخاصة نفسه أو بمجتمعه ومحيطه، مهما تعاضد مع غيره من أبناء نوعه، ممن هو على شاكلته وتكاشف معهم، ومهما أقام بالاشتراك معهم المؤتمرات والمجالس والاستشارات فوجب أن يبعث الله تعالى في الناس رحمة لهم ولطفا بهم " رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة " وينذرهم عما فيه فسادهم، ويبشرهم بما فيه صلاحهم وسعادتهم.
إنما كان اللطف من الله تعالى واجبا فلأن اللطف بالعباد من كماله المطلق، وهو اللطيف بعباده والجواد الكريم، فإذا كان المحل قابلا ومستعدا لفيض الوجود واللطف، فإنه تعالى لابد أن يفيض لطفه، إذ لا بخل في ساحة رحمته، ولا نقص في جوده وكرمه.
وليس معنى الوجوب هنا أن أحدا يأمر بذلك فيجب عليه أن يطيع - تعالى عن ذلك -، بل معنى الوجوب في ذلك هو كمعنى الوجوب في قولك: إنه واجب الوجود (أي اللزوم واستحالة الانفكاك) (1).
____________________
(1) هنا مطالب، الأول: أن حاجة الإنسان إلى الرسل والأنبياء من