والثاني: أن إضافة العلم إلى الكتاب تفيد الاستغراق والعموم، كما عرفت، فالمراد منه العلم بكل الكتاب الذي لم يفرط فيه شئ، ولا رطب ولا يابس إلا فيه، ولو كان المراد العلم ببعضه لأتى عز وجل بكلمة (من) المفيدة للتبعيض في مثل المقام ونحوه، كما أتى بها في قضية آصف، فقال عز من قائل: (وقال الذي عنده علم من الكتاب)، وعلم الكتاب كله لم يكن عند سائر الأنبياء سلام الله عليهم، كما يظهر من الآيات والأخبار فإن علومهم محدودة وإنما يختص ذلك بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم وأوصيائه الطيبين الطاهرين، فكيف يفسر من هذا شأنه بعلماء أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
والثالث: أن سورة الرعد كلها مكية وابن سلام وسائر علماء أهل الكتاب إنما أسلموا في المدينة بعد الهجرة، ولذا قال سعيد بن جبير: كيف تكون هذه الآية نزلت في عبد الله بن سلام والسورة كلها مكية. (1) لا يقال: قال الكلبي ومقاتل: (2) أنها مكية إلا آخر آية منها نزلت في شأن عبد الله بن سلام. (3) لأنا نقول: المستند في استثنائهما آخر آية منها من كونها مكية نزولها في شأن عبد الله بن سلام بزعمهما، كما يظهر من كلامهما، لا عثورهما على رواية، فإن قولهما نزلت في عبد الله بن سلام في مقام التعليل، وقد ظهر لك أن هذا التوهم واضح الفساد، وإنما نشأ هذا التوهم ممن توهم من عدم التأمل في أطراف الآية الكريمة، ولو تأملوا فيها حق التأمل لا تضح لهم الحق كمال الاتضاح.