أفلا ترون أنه قد جرى في ذلك خوض، حتى شد على الناس لذلك، فقال الهيثم: فنحن نكذب عليا أو نرد قوله، فقال أبو حنيفة: ما نكذب عليا ولا نرد قولا قاله، ولكنك تعلم أن الناس قد غلا منهم قوم، فقال الهيثم:
يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويخطب به، ونشفق نحن منهم ونتقيه بغلو غال أو قول قائل (1) هذا.
ويظهر من الأخبار أنه بعد ما استولى الخلفاء على الخلافة، بنى غالب الناس على كتمان مناقبه عليه السلام تمايلا معهم، سيما خبر الغدير لكمال صراحته، ووضوح دلالته على اختصاص الولاية والخلافة به عليه السلام.
إذ بعد ما ظهر لك أن أنس بن مالك، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب ممن عرف صحبتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا ممن كتموا شهادتهم في خصوص خبر الغدير في زمان سلطة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وفي محضره مع مناشدته عليه السلام حتى دعا عليه السلام فبرص أنس وذهب بصر الآخرين فرووا الخبر بعد ذلك، فما ظنك بسائر الناس، مع قلة المتقين في كل زمان، وغلبة ميل الناس مع الأمراء والملوك، ولكنه بحمد الله تعالى قد ظهر في خصوص خبر الغدير، مع شدة كتمان الناس إياه ما يبلغ التواتر من طريق العامة.
وقد قال في غاية المرام - بعد تسعة وثمانين حديثا من طريقهم - " أن محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ أخرج خبر غدير خم، وطرقه من خمسة وسبعين طريقا، وأفرد له كتابا سماه " كتاب الولاية " وهذا الرجل عامي المذهب، وذكر أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة خبر يوم الغدير، وأفرد له كتابا وطرقه من مائة وخمسة طرق " انتهى. (2)