فرع كثير من القرآن مشتمل على ذم الدنيا وصرف الخلق عنها ودعوتهم إلى الآخرة بل هذا هو المقصود بالذات من بيان الشرايع كيف لا وهي عدوة الله تعالى لقطعها طريق الوصلة إليه وعدوة أوليائه لتزينها لهم بزينتها حتى تجرعوا مرارة الصبر في مقاطعتها وعدوة لأعدائه لاستدراجها لهم حتى خذلتهم وصح أنه عليه أفضل الصلاة والسلام رأى شاة ميتة فقال والذي نفسي بيده الدنيا أهون على الله تعالى من هذه الشاة على أهلها ولو كانت تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقي كافرا منها شرة ماء وفي الخبر الحسن: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم وصح أن أبا بكر رضي الله عنه دعا بشراب وعسل فلما جيئ به بكى حتى بكى أصحابه فسألوه عن ذلك فقال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يدفع عن نفسه شيئا ولم أر معه أحدا فقلت يا رسول الله ما الذي تدفع عن نفسك فقال هذه الدنيا مثلت لي فقلت إليك عني فرجعت ثم قالت إنك أفلت مني لم يفلت مني من بعدك وصح من جملة الحديث المشهور فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تسلط عليكم الدنيا كما سلطت على من قبلكم فتنا فسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم وقدمنا أيضا والحديث ضد القديم ومعنى الهيولى عند القائلين بها وهم الفلاسفة والدهرية طينة العالم وهيولى الشئ مادته التي يتخذ منها كالخشبة يتخذ منها السرير والباب ونحوهما وكالحنطة يتخذ منها الخبز ونحوه وهم اختلفوا في الطينة فمنهم من قال هي الطبايع الأربع: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وأصل العالم هذه الأربع وهي عندهم قديمة ومنهم من قال هي الاستقصات وهي الماء والتراب والنار والهواء وهي قديمة عندهم وحاصله أنهم قائلون بقدم الممكنات كالهيولى يزعمون أنه محتاج إلى العقل الأول صادر عنه دائم بدوامه قديم بقدمه وهو ظاهر البطلان لأن العالم على زعمهم مركب من الهيولى والهيولى قديم فيلزم قدم العالم والأجسام والصور ونفي حشر الأجساد كما قدمنا وسنبين أيضا وجه فساده وقوله باجتذال بالجيم والذال المعجمة الفرح أي فاسمع مقالي ملتبسا بالفرح والسرور بسماع هذه الحق الإعراب دنيانا مبتدأ وحديث خبره وفعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث أو المعنى مخلوق حديث والهيولى مبتدأ وعديم الكون خبره وقال بعض الناس الهيولى معطوف على دنيانا
(١١١)