صدق الرؤية حقيقة في الكل، فإنه يعلم أنه كان من باب المماشاة ليورد عليهم نقض التعارض، وإلا فلا معنى لصدق الرؤية وعدم الرؤية في الشيء الواحد في آن واحد حقيقة، مع أن صدق عدم الرؤية على غير السطح حقيقة مما لا يقبل الانكار، فيعلم منه أن حكمهم بالرؤية فيه كان مبنيا على المسامحة.
وبهذا البيان تعرف ما في مرسل المختلف عن أبي جعفر (عليه السلام) مشيرا إلى غدير من الماء: " أن هذا لا يصيب شيئا إلا طهره " (1) فإنه لا يرتاب في كونه مسوقا لبيان الاعتصام، ومهملا من حيث كيفية الإصابة، مع أن الإصابة منتفية عن غير الجزء الملاقي حقيقة.
وأما صحيح ابن بزيع (2) الوارد في البئر فعلى خلاف المطلق أدل، إذ لو كفى ملاقاة المادة لما كان يحتاج إلى النزح، مع أن النزح المتعقب لزوال التغيير لا نعرف فيه عدم حصول المزج معه، إذ لا ريب في استلزام النزح من ذي المادة امتزاج ما فيه مع ما يخرج من مادته وهو المطهر له لا اتصاله بالمادة الغير الخارجة، فلا ربط له برجوع التعليل إلى الفقرة الاولى أو الثانية، أو أنه لبيان ترتب زوال التغيير على النزح من ذي المادة.
الثالث: اقتضاء الاتصال الاتحاد، والماء الواحد لا يختلف حكمه بالطهارة والنجاسة بدون التغيير. وفيه منع الاتحاد المقتضي لاتحاد الحكم، لتمايز كل من النجس والطاهر على وجه يشار اليهما مستقلا، ومجرد الاتحاد في السطح غير مقتض لاتحادهما حقيقة سيما في الحكم.
الرابع: أن الاتصال يوجب اختلاط بعض أجزاء الكر مع بعض أجزاء النجس، فإما أن يطهر أو يتنجس ذلك البعض من الكر، والثاني مخالف لأدلة عدم انفعال الكر، فتعين الأول، فإذا طهر الجزء طهر الجميع، لعين ما ذكر.