لم يعرضها ما يوجب ثلطها، فإن لها أيضا ثلطا في ابتداء رعيهم في الربيع من الحشيش الأخضر اللطيف الكثير الماء، لكن الانسان لما لم يكن مخرجه كمخرج الحيوان فلا محالة يتلوث مخرجه في الجملة ولو مع القذف، فلذا يحتاج إلى إزالته ولو بالحجر. وعليه فالتعدي إنما هو ما يحصل غالبا من الثلط الذي هو نوع فساد في الطبيعة.
والحاصل: أن التعدي المفهوم من دليل لزوم الماء وهو النبويان المعتمد عليه عندنا هو التعدي عن المحل المتعارف تلوثه بالتغوط المتعارف، فلا يهمنا فحص كلمات العلماء لتعيين ما يستفاد منها في معنى التعدي، وأنهم ماذا أرادوا في المقام، لأنه يجب ذلك لمن اتكل في الحكم على خصوص الإجماع، ونحن لم نقتصر عليه كما بيناه، هذا.
مع أن كلماتهم غير آبية عن إرادة هذا المعنى منها، بل جملة من العبارات ظاهرة، بل صريحة فيه، فعن الذكرى: " لا استنجاء بالحجر من الغائط المنتشر عن المخرج إجماعا، وهو المروي، والظاهر أنه أراد بالرواية المشار إليها النبويين فيكون - حينئذ - صريحا فيما ذكرناه وإن كان يكفي في ظهوره في المطلب نفس تعبيره.
وعن الروض أن المراد بالتعدي عن المخرج التعدي عن حواشي الدبر بأن لم يبلغ الإليتين، وهذا الحكم إجماعي من الكل، وقريب منه بل مثله ما عن المسالك والروضة وعن الذخيرة، والظاهر أن المراد بالتعدي في عبارات الأصحاب تعدي حواشي الدبر وإن لم يصل إلى الإلية. ويظهر من التذكرة نقل الإجماع على ذلك، وكذا يفهم الإجماع من كلام الشارح الفاضل من قوله: " ولولا ذلك لم يبعد تفسيره بوصول النجاسة إلى محل لا يعتاد وصولها إليه، ولا يصدق على إزالتها اسم الاستنجاء " انتهى.
وعن مجمع البرهان: " ان أخبار الاكتفاء بالأحجار خالية عن التقييد، بل ظاهرها العموم، فلولا دعوى الإجماع لأمكن القول بالمطلق إلا ما يتفاحش