فإنه جعل مناط التعظيم انحراف الشخص بنفسه، ومناط عدمه عدمه، فالتعبير بهما إنما هو بملاحظة أن المتعارف إيقاع الحدث في الجهة التي استقبلها ببدنه، ولم يعهد عن المعقولين هذا الذي يشنع عليه كل أحد من ميل الذكر إلى غير الجهة التي استقبلها، فلذا جعل ترك الاستقبال بالبول كناية عن ترك استقبال الشخص في حال البول، وهذا واضح كما يوضحه عدم تصور الاستدبار بالفرج وهو الدبر لمن جلس على الحدث على النحو المتعارف، فإن دبره مستقبل للأرض لا للقبلة، ففي غير البول لا استقبال ولا استدبار.
قوله (قدس سره): (دون الاستنجاء بل والاستبراء) الحاق الحالتين بحالة التخلية لا يخلو عن قوة كما قواه الأستاذ فيما علقه عليه لموثقة عمار: " قال: سألته عن الرجل يريد أن يستنجي كيف يقعد؟ قال (عليه السلام): كما يقعد للغائط " (1) ودلالتها لا شيء فيها، كما أن سندها بعد كونها موثقة بالغ حد الحجية، فلاغرو بالخروج بها عن الأصل سيما بعد إمكان استفادة مطلوبية ما هو مطلقا في حال التخلي إلى أن يحصل الفراغ بالمرة من الأخبار المتقدمة أيضا خصوصا حال الاستبراء التي هي من أحوال البول جزما.
قوله (قدس سره): (من غير فرق بين الصحاري والأبنية في ذلك) لعموم الأدلة كما عرفت، بل ظهور بعضها في خصوص الأبنية، والفرق بينهما بعدم ثبوت الحكم للأبنية منسوب إلى الديلمي، ولعله أخذه من صحيحة ابن بزيع المذكورة، فإن في صدرها قال: " دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) وفي منزله كنيف مستقبل للقبلة " (2) ولا يخفى ضعفه لضعف مبناه، من جهة عدم الدلالة على مدعاه، إذ لا يستلزم استقبال البنيان استقبال القاعد فيه، لإمكان الانحراف، مضافا إلى أنه لا يجتمع مسلمية كراهته نسبة استدامته (عليه السلام) اليه، فليحمل على كون بناء بيت الخلاء على القبلة دون بناء أصل الكنيف.