بحرف الاستدراك داخلا على فعل الشرط منفيا أو معنى، فهي بمنزلة وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، فإذا كانت دالة على الامتناع ويصح تعقيبها بحرف الاستدراك دل على أن ذلك عام في جميع مواردها وإلا يلزم الاشتراك وعدم صحة تعقيبها بالاستدراك، وذلك ظاهر كلام سيبويه.
قال السبكي: وما أوردوه نقضا وأنه يلزم نفاد الكلمات عند انتفاء كون ما في الأرض من شجرة أقلام وهو الواقع فيلزم النفاد وهو مستحيل، فالجواب: أن النافد، إنما يلزم انتفاؤه لو كان المقدم مما لا يتصور العقل أنه مقتض للانتفاء، أما إذا كان مما قد يتصوره العقل مقتضيا فإن لا يلزم عند انتفائه أولى وأحرى، وهذا لأن الحكم إذا كان لا يوجد مع وجود المقتضى فأن لا يوجد عند انتفائه أولى؛ فمعنى لو في الآية أنه لو وجد الحكم المقتضى لما وجد الحكم لكن لم يوجد فكيف يوجد وليس المعنى لكن لم يوجد، فوجد لامتناع وجود الحكم بلا مقتض. فالحاصل أن ثم أمرين: أحدهما امتناع الحكم لامتناع المقتضى وهو مقرر في بدائه العقول؛ وثانيهما: وجوده عند وجوده وهو الذي أتت لو للتنبيه على انتفائه مبالغة في الامتناع، فلولا تمكنها في الدلالة على الامتناع مطلقا لما أتي بها، فمن زعم أنها، والحالة هذه لا تدل عليه فقد عكس ما يقصده العرب بها، فإنها إنما نأتي بلونها للمبالغة في الدلالة على الانتفاء لما للومن التمكن في الامتناع انتهى.
ثم إن المصنف قال: إنها ترد على خمسة أوجه فذكر منها وجها واحدا ولم يذكر البقية، وهي:
ورودها للتمني: كقولك: لو تأتيني فتحدثني. قال الليث: فهذا قد يكتفى به عن الجواب؛ ومنه قوله تعالى: (فلو أن لنا كرة) (1)، أي فليت لنا، ولهذا نصب، فيكون في جوابها كما انتصب فأفوز في جواب كنت في قوله تعالى: (يا ليتني كنت معهم فأفوز) (2).
وتأتي للعرض: كقوله تنزل عندنا فتصيب خيرا وللتقليل: ذكره بعض النحاة وكثر استعمال الفقهاء له، وشاهده قوله تعالى: (ولو على أنفسكم) (3)، والحديث أو لم ولو بشاة، واتقوا النار ولو بشق تمرة؛ والتمس ولو خاتما من حديد؛ وتصدقوا ولو بظلف محرق.
وتأتي للجحد، نقله الفراء ولم يذكر له مثالا. فهذه أربعة أوجه مع ما ذكره المصنف فصارت خمسة.
* مهمة وفيها فوائد * * الأولى: قال الجوهري: إن جعلت لو اسما شددته فقلت: قد أكثرت من اللو، لأن حروف المعاني والأسماء الناقصة إذا صيرت أسماء تامة بإدخال الألف واللام عليها أو بإعرابها شدد ما هو منها على حرفين، لأنه يزاد في آخره حرف من جنسه فيدغم ويصرف إلا الألف فإنك تزيد عليها مثلها فتمدها لأنها تنقلب عند التحريك لاجتماع الساكنين همزة فتقول في لا كتبت لاء جيدة، قال أبو زبيد:
ليت شعري وأين مني ليت؟ * إن ليتا وإن لوا عناء (4) انتهى. ومثله قول الفراء فيما روى عنه سلمة؛ وأنشد:
علقت لوا مكررة * إن لوا ذاك أعيانا (5) وأنشد غيره:
وقدما أهلكت لو كثيرا * وقبل القوم (6) عالجها قدار وأما الخليل فيهمز هذا النحو إذا سمي به كما يهمز النؤور.