الصادقة، تتجلى فيها أعمق معاني الخشوع وأورعها، أو ليست العبادة إلا الخشوع والنبل؟ وكلما ازدادت المعرفة بالله سبحانه وتعالى ازداد العمق العبادي.
يقول مالك بن أنس: كان الإمام جعفر بن محمد [الصادق (عليه السلام)] لا يخلو من إحدى ثلاث خصال: إما صائما، وإما قائما، وإما ذاكرا، وكان من عظماء العباد [في عصره بالتهجد والتبتل، وكان من] أكابر الزهاد [في الدنيا] الذين يخشون الله عز وجل، وقد حججت معه سنة فلما استوت به راحلته عند الإحرام، كان كلما هم بالتلبية [تلجلج و] انقطع الصوت في حلقه وكاد أن يخر من راحلته.
وقال مالك: ما رأت عين، ولا سمعت أذن، ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق علما وعبادة.
وقال ابن طلحة في مطالب السؤول: ذو علوم جمة، وعبادة موفورة، وأوراد متواصلة، يقسم أوقاته على أنواع الطاعات.
وعن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله [الصادق] يقول وهو رافع يده إلى السماء: رب لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا، لا أقل من ذلك ولا أكثر، فما كان بأسرع من أن تحدرت الدموع من جوانب لحيته.
ثم أقبل علي فقال: يا ابن أبي يعفور، إن يونس بن متى وكله الله إلى نفسه أقل من طرفة عين، فأحدث ذلك الذنب.
قلت: فبلغ كفرا أصلحك الله؟
قال: لا، ولكن الموت على تلك الحال هلاك.
وفي هذا الحديث يتجلى لنا عمق المعرفة التي كانت تنطوي عليها روح الإمام، فينطلق لسانه في تبتل خاشع بتلك الكلمات المفعمة بالإيمان، والتي بالأحرى هي دموع المعرفة الصادقة.