فهو (عليه السلام) لا يأخذ عبده بالقسوة والغلطة عندما يقترف الذنب الذي يستحق عليه العقوبة، بل يروح له حينما يراه نائما حتى يستيقظ من نفسه، ثم يخاطبه مؤنبا بالكلمة الطيبة، والعتاب الهادئ، الذي يبعث الاطمئنان في نفس العبد، ويوحي له بالثقة بسيده ويدفعه للإطاعة.
ومن تواضعه ما رواه أبو بصير قال: دخل أبو عبد الله (عليه السلام) الحمام، فقال له صاحب الحمام: أخليه لك، فقال: لا حاجة لي في ذلك، المؤمن أخف من ذلك.
وهذه الحادثة على بساطتها، لا ينبغي أن نمر بها من غير أن نفهم المغزى البعيد الذي يرمي إليه الإمام في سلوكه الإنساني منها، فقد دأب الكبار من ذوي المقامات العالية من الناس، على تجنب الاختلاط بالعامة في مثل هذه الموارد ترفعا وكبرا، وشعورا منه بالامتياز والطبقية، ولكن الإمام أراد أن يثبت للآخرين عمليا، أن رفعة الإنسان وامتيازه إنما هي بقيمه ومثله، وبإنسانيته الفاضلة التي ترتفع به إلى المستوى اللائق به.
أما فيما يرجع للحياة العادية وقضايا العشرة، فإن على الإنسان أن لا يظلم الآخرين بسلوكه المتميز، ليشعرهم بالتفاوت الطبقي الذي يمزق الوحدة الاجتماعية، ويفتت القاعدة الأساسية التي يقوم عليها بناؤها المتماسك، وهي التلاحم المتمثل بالإيمان والمحبة والمساواة.
وعن يعقوب بن السراج قال: كنا نمشي مع أبي عبد الله (عليه السلام) وهو يريد أن يهنئ ذا قرابة له بمولود له، فانقطع شسع نعله، فتناول نعله من رجله ثم مشى حافيا، فنظر إليه ابن أبي يعفور فخلع نعل نفسه من رجله، وخلع الشسع منها، وناولها أبا عبد الله، فأعرض عنها، وأبى أن يقبلها، وقال: لا، إن صاحب المصيبة أولى بالصبر حتى يجد لها حلا، فإن غيره ليس بأولى منه بالصبر عليها.