وقد أفرد الشيخ المفيد (قدس سره) فصلا في كتابه " أوائل المقالات " سماه (القول في معرفة الأئمة بجميع الصنائع وسائر اللغات)، جاء فيه: " أقول: إنه ليس يمتنع ذلك منهم، ولا واجب من جهة العقل والقياس، وقد جاءت أخبار عمن يجب تصديقه بأن أئمة آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كانوا يعلمون ذلك... "، وعلى قوله هذا جماعة من الإمامية.
وقد خالفه فيه بنو نوبخت (رحمهم الله)، وأوجبوا ذلك عقلا وقياسا، ووافقتهم فيه المفوضة كافة وسائر الغلاة (1). ولكي نعطي الطالب الدارس مفتاح عبقرية الإمام وشخصيته الفذة نشير إلى أنه (عليه السلام) كان يتقن لغات الأمم المتحضرة في عصره، واللغة هي المفتاح أو المنفذ إلى ثقافة أهلها كما هو معروف، وسنورد طرفا من اللغات التي كان يعرفها الإمام الصادق (عليه السلام) ويتحدث بها، ثم طرفا من اهتمامه بالطب والفلك والكيمياء، وهي علوم يدور حولها معظم أبحاث هذا السفر النفيس.
معرفته باللغات مر في تأريخ حياة الإمام الباقر (عليه السلام) أنه كان يعرف العبرية والسريانية، وأن جدته، أي والدة الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليهم السلام)، كانت الأميرة الفارسية شهربانو بنت كسرى يزدجرد. فلا عجب أن يعرف الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) هذه اللغات وثقافات أممها، وأن ينطلق في التحدث أو القراءة والكتابة فيها، وسيأتي أثناء عرضنا لبعض الروايات المأثورة عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) ما يثبت ذلك، وفضلا عن إتقانه لهذه اللغات، كان يعرف النبطية والصقلبية والحبشية ويتحدث بها أيضا.