فرجع إلى الإمام معتذرا بالمال، فأبى قبوله وقال: شيء خرج من يدي لا يعود إلي، فسأل الرجل عنه، فقيل: هذا الإمام جعفر الصادق. قال: لا جرم هذا فعال مثله.
وهكذا يمثل الإمام بسلوكه الأخلاقي المتواضع: السلوك الرسالي الذي أراده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكون الطابع العام الذي يتميز به المجتمع الإسلامي عن غيره من المجتمعات الغريبة عن مبادئ السماء.
حلمه والحلم هو الطابع العام الذي يغلب على سلوك الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) في حياتهم العامة والخاصة، فلقد عانى الإمام الصادق (عليه السلام) الأشد من تجاوزات أهل بيته من جهة، والسلطة الحاكمة من جهة أخرى، ومن المناوئين له والحاقدين عليه من جهة ثالثة، ولكنه كان يقابل الإساءة منهم بالحسنى، والعنف والشدة منهم باللين، تمشيا مع خلق القرآن وتعاليمه (ادفع بالتي هي أحسن السيئة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) (1).
فعن الجنابذي قال: وقع بين جعفر وعبد الله بن الحسن كلام في صدر يوم، فأغلظ عبد الله بن الحسن له في القول ثم افترقا وراحا إلى المسجد، فالتقيا على باب المسجد، فقال أبو عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) لعبد الله بن الحسن:
كيف أمسيت يا أبا محمد؟ فقال: بخير... كما يقول المغضب.
فقال الإمام: يا أبا محمد، أما علمت أن صلة الرحم تخفف الحساب؟ فقال:
لا تزال تجيء بالشيء لا نعرفه. فقال الإمام: إني أتلو عليك قرآنا. قال:
وذلك أيضا؟ قال الإمام: نعم. قال: فهاته. قال الإمام: قول الله عز وجل: