وإذا تحته جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل والردن عن الردن، ثم قال الصادق: يا ثوري، لبسنا هذا لله، وهذا لكم، فما كان لله أخفيناه، وما كان لكم أبديناه.
وثالثها: إنه لم ير لأحد غير الله حسابا، فما كان يخشى أحدا في سبيل الله ولا يقيم وزنا للوم اللائمين، ولم يخش أميرا لإمرته، ولم يخش العامة لكثرتهم، ولم يغيره الثناء، ولم يثنه الهجاء، أعلن براءته ممن حرفوا الإسلام وأفسدوا تعاليمه، ولم يمال المنصور في أمر، وكان بهذا الإخلاص وبتلك التقوى السيد حقا وصدقا.
نفاذ بصيرته وقوة إدراكه:
وإن الإخلاص إذا غمر النفس أشرقت بنور الحكمة، واستقام الفكر والقول والعمل، ولذلك الاخلاص نفذت بصيرته، فصار يعرف الحق من غير عائق يعوقه، وكان مع ذلك فيه ذكاء شديد، وإحاطة واسعة وعلم غزير.
حضور بديهته:
وكان (رضي الله عنه) حاضر البديهة، تجيئه أرسال المعاني في وقت الحاجة إليها من غير حبسة في الفكر، ولا عقدة في اللسان، وإن مناظراته الفقهية الكثيرة تكشف عن بديهة حاضرة، وانظر إليه وأبو حنيفة يسأله في أربعين مسألة، فيجيب عنها من غير تردد ولا تلكؤ، مبينا اختلاف الفقهاء فيها، وما يختار من أقوالهم، وما يخالفهم جميعا فيه.
وإن مناظراته التي كان يلقم بها الزنادقة وغيرهم الحجة، ما كانت ليستقيم فيها الحق لولا بديهة تسعفه بالحق في الوقت المناسب، ولننقل لك مناظرة له في العدل