وصبر في فراق الأحبة، وصبر في فقد الولد، مات بين يديه ولد له صغير من غصة اعترته فبكى وتذكر النعمة في هذا الوقت، وقال: لئن أخذت لقد أبقيت، ولئن ابتليت فقد عافيت.
ثم حمله إلى النساء، فصرخن حين رأينه، فأقسم عليهن ألا يصرخن، ثم أخرجه إلى الدفن وهو يقول: سبحان من يقبض أولادنا ولا نزداد له إلا حبا.
ويقول بعد أن واراه التراب: إنا قوم نسأل الله ما نحب فيمن نحب فيعطينا، فإذا أنزل ما نكره في من نحب رضينا.
وها أنت ذا ترى أنه (رضي الله عنه) يذكر عطاء الله فيما أنعم، في وقت نزول ما يكره، وذلك هو الشكر الكامل مع الصبر الكامل.
وإن الصبر مع التململ لا يعد صبرا، إنما هو الضجر، والضجر والصبر متضادان، وإنا نقول بحق إن أوضح الرجال الذين يلتقي فيهم الصبر مع الشكر، هو الإمام الصادق.
سخاؤه:
قال كثيرون من المفسرين في قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) إنها نزلت في علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وإن كانت هي في عمومها وصفا للمؤمنين الصادقي الإيمان؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومهما يكن من القول في ذلك فإنه من المؤكد أن علي بن أبي طالب كان من أسخى الصحابة رضي الله عنهم، بل من أسخى العرب، وقد كان أحفاده كذلك من بعده، فعلي زين العابدين كان يحمل الطعام ليلا ليوزعه على بيوت ما عرفت خصاصتها إلا من بعده.