والإمام يريد أن يشعر الآخرين بأن الإنسان فيما يطرأ عليه من المشاكل، عليه أن يتحمل همها بنفسه ولو كانت مما يخدش بكبريائه، فالإمام يرفض أن يتحمل الآخرون مسؤوليته.
وقد بدأت تلك التعقيدات تسيطر على سلوك الحاكمين والمنتسبين إليهم، عندما تولى معاوية بن أبي سفيان إمارة الشام، ثم استولى على الخلافة بعد ذلك.
فقد أحاط نفسه بهالة من التجلة والتعظيم، وفرض لنفسه امتيازات معينة جرت عليها سنة الخلفاء من بعده، واقتدى بهم ولاتهم والمقربون إليهم، وكان من جراء ذلك أن انقلب ميزان السلوك الاجتماعي الإسلامي المتكافئ بين فئات الأمة، إلى تناقضات طبقية مفتعلة، تولدت عن رواسب قبلية جاهلية، كانت لا تزال حية في نفوس هؤلاء الحاكمين، الذين لم ينسجم واقعهم النفسي مع مبادئ الرسالة ومعطياتها الإنسانية الخالدة.
ويمكننا أن نتعرف على مدى ابتعاد مثل هذا السلوك عن روح الإسلام ومنهجه في السلوك الاجتماعي مما ورد على لسان الإمام علي (عليه السلام) في وصف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أنه: كان فينا كأحدنا، وما قيل من أن بعض من لا يعرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشخصه، كان إذا دخل المسجد لا يمكنه تمييز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن غيره من أصحابه إلا بعد أن يسأل عنه.
ومن روائع أخلاق الإمام الصادق ومثاليته ما ذكر: من أنه نام رجل من الحاج في المدينة، فتوهم أن هميانه سرق، فخرج فرأى الإمام مصليا ولم يعرفه، فتعلق به وقال له: أنت أخذت همياني. قال الإمام: ما كان فيه؟ قال الرجل:
ألف دينار.
فحمله الإمام إلى داره، ووزن له ألف دينار وعاد إلى منزله، فوجد هميانه،