ولم يكن غريبا أن يكون الإمام الصادق النابت في ذلك المنبت الكريم سخيا جوادا، فكان يعطي من يستحق العطاء، وكان يأمر بعض أتباعه أن يمنع الخصومات بين الناس بتحمل ما يكون فيها من الخسائر.
وكان (رضي الله عنه) يقول: لا يتم المعروف إلا بثلاثة: بتعجيله وتصغيره وستره.
ولهذا كان يسر العطاء في أكثر الأحيان، وكان يفعل ما كان يفعله جده علي زين العابدين، فكان إذا جاء الغلس يحمل جرابا فيه خبز ولحم ودراهم، فيحمله على عاتقه، ثم يذهب إلى ذوي الحاجة من أهل المدينة ويعطيهم، وهم لا يعلمون من المعطي حتى مات، وتكشف ما كان مستورا، وظهرت الحاجة في من كان يعطيهم، وجاء في حلية الأولياء: وكان جعفر بن محمد يعطي حتى لا يبقي لعياله شيئا.
وإن السخاء بالمال يدل على مقدار قوة الإحساس الاجتماعي، وإن ستره يدل على مقدار قوة الوجدان الديني وملاحظته جانب الله وحده، وليس ذلك بعجب ممن نشأ مثل نشأة الإمام الصادق.
حلمه وسماحته:
ولقد كان (رضي الله عنه) سمحا كريما لا يقابل الإساءة بمثلها، بل يقابلها بالتي هي أحسن، عملا بقوله تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).
وكان يقول: إذا بلغك عن أخيك شيء يسوؤك فلا تغتم، فإن كنت كما يقول القائل كانت عقوبة قد عجلت، وإن كنت على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها.