هذا وصفه الجسمي، أما وصفه النفسي والعقلي فقد بلغ فيه الذروة، وها هي ذي قبسة من صفاته التي علا بها في جيله حتى نفس حكام الأرض عليه مكانه، ولكنها هبة السماء، وأنى لأهل الأرض أن يساموا أهل السماء.
الإخلاص:
قد اتصف الإمام الصادق التقي بنبل المقصد وسمو الغاية والتجرد في طلب الحقيقة من كل هوى، أو عرض من أعراض الدنيا، فما طلب أمرا دنيويا تنتابه الشهوات أو تحف به الشبهات، بل طلب الحقائق النيرة الواضحة وطلب الحق لذات الحق لا يبغي به بديلا، لا تلتبس عليه الأمور، وإذا ورد عليه أمر فيه شبهة هداه إخلاصه إلى لبه، ونفذت بصيرته إلى حقيقته، بعد أن يزيل عنه غواشي الشبهات، وإذا عرض أمر فيه شهوة أو إثارة مطمع بدد الظلمات بعقله الكامل، وهو في هذا متصف بما ورد في حديث مرسل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ قال: " إن الله يحب ذا البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب ذا العقل الكامل عند حلول الشهوات " ومن غير الإمام الصادق يبدد الشهوات بعقله النير وبصيرته الهادية المرشدة؟!
إن الإخلاص من مثل الصادق هو من معدنه، لأنه من شجرة النبوة، فأصل الإخلاص في ذلك البيت الطاهر ثابت، وإذا لم يكن الإخلاص غالب أحوال عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحفاد إمام الهدى علي (عليه السلام)، ففيمن يكون الإخلاص؟
لقد توارثوا خلفا عن سلف، وفرعا عن أصل، فكانوا يحبون الشيء ولا يحبونه إلا لله، ويعتبرون ذلك من أصول الإيمان وظواهر اليقين. فقد قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):
" لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله ".