ولا ينافي تسليمهم لأمر الله ما جرت عليه سيرتهم من إظهار الأسى والحزن بالنسبة لمأساة الإمام الحسين (عليه السلام) وما جرى عليه وعلى أهل بيته وأنصاره في واقعة الطف بكربلاء وتأكيدهم على الآخرين بإحياء ذكرى تلك المأساة في كل سنة، إذ الباعث على ذلك لهم ليس هو الجزع وثقل المصاب فحسب، بل الحرص على إبقاء الهدف الذي من أجله استشهد الإمام الحسين (عليه السلام) والخيرة الطيبة من أهل بيته وأنصاره، حيا في ضمير الأمة، تعيشه كرمز للرفض المستمر ضد الطغيان والاستبداد، والانتهاكات الظالمة، التي يمارسها الحاكمون الغرباء عن واقع الرسالة، والحاقدون عليها.
كرمه وسخاؤه الكرم والسخاء ليسا بأمرين غريبين عن الواقع النفسي لأهل البيت، بل هما أمران أصيلان يمتدان عبر الجذور العميقة لتأريخهم، وقد عرف الكرم الهاشمي بالطيبة والعفوية، البعيدة عن عوامل التكلف والامتنان، ويمتاز عطاء أهل البيت وبذلهم بارتباطه الوثيق بالله، ورعاية جانب التقرب إليه فيه، دون أن يشوبه من نوازع النفس الإنسانية ما هو غريب عن هذا الارتباط، فعن مسمع ابن عبد الملك، قال:
"... كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) بمنى وبين أيدينا عنب نأكله، فجاء سائل فسأله، فأمر له بعنقود فأعطاه، فقال السائل: لا حاجة لي في هذا، إن كان درهم؟
فقال له الإمام: يسع الله عليك. فذهب ثم رجع فقال: ردوا العنقود. فقال له الإمام: يسع الله لك، ولم يعطه.
ثم جاء سائل آخر، فأخذ أبو عبد الله ثلاث حبات عنب فناولها إياه،