لا منافقوها، ومسلموها لا كفارها، فما أنكرت يا ثوري، فوالله إني ما ترى، ما أتى علي منذ عقلت صباحا ولا مساء ولله في مالي حق، أمرني أن أضعه موضعا إلا وضعته.
ولا نحسب أن عبادا كان بعيدا عن مفهوم الإسلام المنفتح ونظريته المتطورة للحياة، ولكنه كان بعيدا عن الواقعية والمثالية الرسالية.
ومن هنا نرى الإمام يرفض تلك الموعظة غير البريئة منه، كما أوضح الإمام في حديثه مع سفيان الثوري، أن الزهد ليس مظهرا رخيصا يتلبس به الإنسان وابتعادا عن المعطيات الطيبة من أنعم الله عليه به، وإنما هو انفصال نفسي عن عوامل الفتنة، وأسباب التعلق بالدنيا.
كما إن لكل زمان معطياته، ففي زمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما لم تكن الحياة في سعة، وكان الناس لا يزالون يعيشون خشونة البداوة وشظف العيش لقلة الناتج وضيق ذات اليد، كانت البساطة في المظهر والشكل، هي الطابع العام الذي يغلب على الحياة العامة.
أما في زمان الإمام (عليه السلام) حيث انتقلت حياة الناس إلى وضع جديد من السعة والوجدان، فعلى الإنسان أن يتكيف بالطابع السلوكي العام، في حدود ما يكون فيه رضا الله سبحانه وتعالى، ولا ينفرد بمظهر متميز يفصله عن الآخرين مما يكون مظنة للرياء ومنطلقا للشهرة - فليس الزاهد أن لا يملك شيء، بل الزاهد أن لا يملكه شيء -.
وقد ندد الإمام علي (عليه السلام) بالزهد عندما يكون حرمانا مما أحل الله لعباده، فقد شكا إليه العلاء بن زياد الحارثي أخاه عاصما، فقال له الإمام: وما له؟
قال: لبس العباءة وتخلى عن الدنيا، قال الإمام: علي به. فلما جاء قال له: يا عدو