في الحيرة وهو جالس مع المنصور الذي لا تغيب الشمس عن سلطانه، راعه منظر الصادق واعتراه من الهيبة له ما لم يعتره من الهيبة للمنصور صاحب الحول والطول والقوة، ولقد كانت هيبته تهدي الضال وترشد الحائر وتقوم المنحرف، وكان يلقى الرجل من دعاة رؤوس الفرق المنحرفة، فإذا رأى ما عليه الإمام من مهابة وجلال وروعة، تلعثم بين يديه، وهو اللجوج في دعايته، ذو البيان القوي، فإذا جادله الإمام بعد أن أخذته مهابته لا يلبث أن يقول ما يقول الإمام، ويردد ما يرشده إليه.
وقد التقى مرة بابن أبي العوجاء، وهو داعية من دعاة الزنادقة بالعراق، فلما رأى الصادق واسترعاه ما عليه من سمت، وأخذ الصادق يتكلم لم يحر جوابا حتى تعجب الصادق والحاضرون فقال له: ما يمنعك من الكلام؟
ويقول الزنديق: ما ينطق لساني بين يديك، فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما داخلتني هيبة قط مثلما داخلني من هيبتك.
ويختم الأستاذ هذا الفصل بقوله: تلك بعض سجايا الصادق، وإنه ببعض هذه الصفات يعلو الرجال على أجيالهم ويرتفعون إلى أعلى مراتب القيادة الفكرية، فكيف وقد تحلى بهذه الصفات وبغيرها، وقد كان عطوفا ألوفا لين الجانب حلو العشرة، وكان زاهدا عابدا قنوتا شاكرا صابرا.
هذا ما أردنا ذكره - على انفراد - من انطباعات الأستاذ أبي زهرة عن شخصية الإمام الصادق (عليه السلام) في كتابه الذي خصصه لدراسة حياته (عليه السلام).
استنتاج وتعقيب:
لعل ما قدمناه من البيان ينتهي بنا إلى نتيجة يحسن أن يقف عندها الباحثون عن تأريخ الشيعة وما اعتراه من ملابسات وما أحيط به من غموض، وكل ذلك