مع المستوى الحياتي لعصره، يريد أن يبتعد عن فتنة الرياء، كما صرح به الإمام لعباد، وأشار إليه في حديثه مع سفيان، ولكنه في نفس الوقت لا يعطي لنفسه حق التمتع بنعومة اللباس وليونته، التي تترك في واقع النفس أثرا ماديا، يشوش بها الصفاء الروحي، الذي يقترب به الإنسان من ربه. فعن الحسين بن كثير الخزاز، قال:
" رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) وعليه قميص خشن تحت ثيابه، وفوقه جبة صوف، وفوقها قميص غليظ، فمسستها فقلت: جعلت فداك، إن الناس يكرهون لباس الصوف...
فقال: كلا... كان أبي محمد بن علي يلبسها، وكان علي بن الحسين يلبسها، وكانوا يلبسون أغلظ ثيابهم إذا قاموا إلى الصلاة، ونحن نفعل ذلك... ".
فالإمام بمظهره المتجمل يريد أن يكون منسجما مع مظهر أهل عصره حياتيا، وفيما يستر وراء ذلك المظهر من اللباس الخشن، يريد أن يكون منسجما مع واقع نفسه البعيد عن مفاتن الحياة ومباهجها ومتعها، التي هي الواجهة الأخرى التي تقابل الزهد والتقشف في الحياة.
أما حين يقف بين يدي ربه ليؤدي واجب العبودية الحقة، فإنه يرفض ذلك المظهر المتجمل، ويتجرد بواقعية وصفاء عن كل ما له تعلق بشؤون هذه الحياة الزائفة، وهذا موقف من عرف الله حق معرفته ودان له بالعبودية كما هو أهله.
وقد أعطى الإمام بسلوكه المنفتح... رؤيا واضحة عن مرونة الإسلام، ومراعاته لمزاج التطور، فيما يرجع لبناء الحياة العامة عندما لا تصطدم مؤثرات التطور بالجانب التكليفي أو الأخلاقي من التشريع، أما تلك السلبيات الشكلية التي يمارسها المتصوفة ومدعو الزهادة، فهي انحراف متعمد عن المسلكية الواقعية