وتقواه وهديه وما انطوت عليه نفسه من ملكات قدسية فريدة، تحديا لجهلهم وفسقهم وابتعادهم عن الهدى، وإيغالهم في معصية الله، فكان عملهم الدائب هو ترقب الفرصة للقضاء على ذلك الوجود الرسالي المقدس، وحبك المؤامرات لتصفيته جسديا وروحيا، فلاحقوه بكل ما يمكنهم من الأذى والاضطهاد والتضييق عليه بما يقصر عنه احتمال الرواسي، وكان (عليه السلام) صامدا كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف، رافضا الاستسلام أمام التحديات الجائرة، فهو الأمين على أداء رسالته، شأنه شأن أصحاب الرسالات، أن يضطهدوا فيصبروا، ويقاوموا فيثبتوا.
عاش الإمام من كد يمينه.
ولقد مارس الإمام الصادق (عليه السلام) العمل المجهد من أجل العيش الكريم، رغم ما يتمتع به من مركز علمي واجتماعي وقيادي.
فعن إسماعيل بن جابر، قال: " أتيت أبا عبد الله، وإذا هو في حائط له بيده مسحاة وهو يفتح بها الماء، وعليه قميص شبه الكرابيس كأنه مخيط عليه من ضيقه ".
وربما يتصور البعض أن مركز الإمام يمنعه من ممارسته مثل هذا العمل فيعترض باستغراب.
فعن عبد الأعلى مولى آل سام، قال: استقبلت أبا عبد الله في بعض طرق المدينة في يوم صائف شديد الحر، فقلت: جعلت فداك، حالك عند الله، وقرابتك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنت تجهد نفسك في مثل هذا اليوم؟!
فقال الإمام (عليه السلام): يا عبد الأعلى، خرجت في طلب الرزق لأستغني عن مثلك. وبهذه الإجابة الدامغة حدد الإمام قيمة العمل ومعطياته.