ونقل القطع عن الأصحاب كما ترى لا تقصر عن نقل إجماعهم على المسألة، غير أنه على كل تقدير يشكل التوفيق بينه وبين المحكي عن جده في روض الجنان (1) من الاستناد لأصل الحكم إلى القواعد العملية من أصل الشغل والاستصحاب، القاضي بعدم كونه بالخصوص مأخوذا من المعصوم، ونظير هذه القواعد مما لا سبيل له إلى إعطاء القطع إلا أن يفرض بالقياس إلى الحكم الفعلي الظاهري.
وكيف كان فالعبارة المنقولة عن روض الجنان ما هذه صورته: " ولو فرض انقلاب أحدهما قبل الطهارة وجب الطهارة بالآخر ثم التيمم، لما تقدم من أن الجمع مقدمة الواجب المطلق، ولأن الحكم بوجوب الاستعمال تابع لوجود المطلق، وقد كان وجوده مقطوعا به فيستصحب إلى أن يثبت العدم، ويحتمل ضعيفا عدم الوجوب فيتيمم خاصة، لأن التكليف بالطهارة مع تحقق وجود المطلق وهو منتف، ولأصالة البراءة من وجوب الطهارتين.
وجوابهما: يعلم مما ذكرناه، فإن الاستصحاب كاف في الحكم بوجود المطلق، وأصالة البراءة منتفية بوجوب تحصيل مقدمة الواجب المطلق وهي لا تتم إلا بفعلهما معا.
فإن قيل: ما ذكرتم من الدليل يقتضي عدم وجوب التيمم، فإن استصحاب وجود المطلق - إن تم - لا يتم معه وجوب التيمم، إذ هو مع الاشتباه لا مع تحقق الوجود.
قلنا: الاستصحاب المدعى إنما هو استصحاب وجوب الطهارة بناء على أصالة عدم فقد المطلق، وذلك لا يرفع أصل الاشتباه، لأن الاستصحاب لا يفيد ما في نفس الأمر، فالجمع بين الطهارتين يحصل اليقين " (2) انتهى.
وكأن مراده بالواجب المطلق الذي يجعل الجمع مقدمة له يقين البراءة الذي يستدعيه يقين الشغل بالصلاة مع الطهارة المرددة بين المائية والترابية، الواجب بحكم العقل، المتوقف على الجمع بين الطهارتين، وعليه فهذا هو الوجه الذي لا محيص عنه، فيكون القول بوجوب الجمع - كما نقل القطع به عن الأصحاب - مما لابد من المصير إليه.
وأما التمسك باستصحاب وجود المطلق ففي غاية الوهن، ضرورة أنه لا يجدي إلا مع الحكم من جهته بكون هذا الموجود هو الماء المطلق، وهو محال بعد ملاحظة أن