أحد المشتبهين ماء وهو باستعمالهما معا يدرك استعمال الماء المأمور به، فينوي من حينه امتثال الأمر وأداء المأمور به، فيأتي بهذا وذاك بداعي هذه النية، مع مقارنتها من حينها لنية كون الجمع بينهما مقدمة للعلم، من غير أن ينوي في كل بخصوصه عنوان المقدمية، ولا عنوان كونه مأمورا به على جهة الاستقلال، غاية الأمر أنه ينوي عند إيجاد كل إيجاد الوضوء أو الغسل بشرايطهما وآدابهما المقررة في الشريعة.
وأما ما يقال في دفعها: من منع اشتراط مثل هذا الجزم في النية، ولو سلم فهو في صورة تيسر الجزم أو الظن، وأما مع عدم التيسر فلا، فإن اريد به منع اعتبار الجزم في الخصوصيتين بدعوى: كفاية الجزم الإجمالي في تيسر نية التقرب فهو راجع إلى ما ذكرناه، وإن اريد به منع اعتبار الجزم رأسا فهو واضح الضعف، كيف وهو - عند التحقيق - راجع إلى إنكار اعتبار نية التقرب في صحة العبادة، ضرورة أنها غير ممكن الحصول مع عدم الجزم ولا الظن المعتبر بوجود المأمور به مع المأتي به لا تفصيلا ولا إجمالا.
وما يقال: من أن احتمال المطلوبية ولو مرجوحا يكفي في تأتي قصد التقرب، فإنما يسلم إذا جامع هذا الاحتمال للجزم الإجمالي بوجود المأمور به الواقعي مع المأتي به، بأن يكون الاحتمال بالقياس إلى الخصوصية والجزم في الأمر المردد بينها وبين خصوصية اخرى، كما في اشتباه القبلة ونحوها، ولا يوجب ذلك الترديد في النية، لأنه إنما يلزم إذا كان التردد بين أن يفعل وأن لا يفعل، لا إذا تردد المأمور به اليقيني بين هذا وذاك.
ثم إن هذا الحكم عند عدم التمكن عن ماء آخر غير مشتبه واضح، وأما مع التمكن عنه فالمحكي عن ثاني الشهيدين في شرحه للإرشاد (1) عدم الصحة، للقدرة على الجزم التام في النية فلا تصح بدونه، ومرجعه إلى عدم الاكتفاء بالامتثال الإجمالي مع التمكن عن الامتثال التفصيلي، ولا يخلو عن قوة كما تقدم الإشارة إليه في مباحث النزح.
وهاهنا مسألة اخرى وهي: أنه لو انقلب أحد المشتبهين بحيث تعذر استعماله، فالمنقول في المدارك عن الأصحاب " أنهم قطعوا على وجوب الوضوء بالباقي مع التيمم، مقدما للأول على الثاني " (2) انتهى.