وفيه: أن الأمر الواقعي النفس الأمري قد يستلزم المحسوسية لزوما مساويا، خصوصا التغير الذي هو عبارة عن انتقال الشئ عن حالة إلى اخرى، فإذا انتفت المحسوسية كشف عن انتفاء ما هو ملزوم لها، فالتغير حينئذ معدوم صرف لا أنه موجود وقد منع عن ظهوره مانع، فقوله: " فقد يمنع عن ظهوره مانع "، ليس بالقياس إلى مفروض المسألة في محله جدا، كما أن قوله: " كما اعترفوا به فيما سيأتي مما إذا خالفت النجاسة الجاري في الأوصاف لكن منع من ظهورها مانع " ليس في محله إن أراد به مقايسة المقام عليه، كيف وأن أصل الحكم في المقيس عليه غير مسلم إلا في بعض الفروض النادرة التي هي في الحقيقة خارجة عن محل البحث - كما سيأتي الكلام فيه مفصلا - وعلى فرض تسليم ذلك فالفرق بين المقامين واضح كما بين السماء والأرض، فإن عدم الظهور لوجود مانع غير عدم الظهور لفقد المقتضي؛ إذ الأول ربما لا يكون منافيا لوجود أصل الموجود بحسب الواقع بخلاف الثاني لاستناد عدم الظهور فيه إلى عدم الوجود، فالسالبة فيه إنما هي بانتفاء الموضوع وفي الأول بمنع المانع الخارجي مع تحقق الموضوع، فبطل بذلك قوله: " والمناط التغير في الواقع لا الحسي والفرق بين الموضعين لا يخلو عن خفاء ".
وأما ما ذكره في نتيجة الوجه الثاني بقوله: " فالمنجس حقيقة هو غلبة النجاسة وزيادتها إلخ ".
ففيه: أنا لا ندري أن هذا المناط من أي شئ حصل له ولمن تقدمه، فهل هو بما أثبته الإجماع أو أعطاه النص أو أنه استفيد بالاستنباط؟ وظني أنه وهم نشأ عن ورود التعبير في بعض روايات الباب بلفظ " الغلبة " مطلقة أو مضافة إلى عين النجاسة دون وصفها، كما في رواية شهاب المتضمنة لقوله: " وكلما غلب كثرة الماء فهو طاهر " (1)، ورواية أبي بصير المشتملة على قوله: " وإن لم تغيره أبوالها فتوضأ منه " (2)، والرواية المرسلة المشتملة على قوله: " إن كان ما فيه من النجاسة غالبا على الماء فلا توضأ