ربما توهم ذلك، ولكنه يندفع بملاحظة مجموع روايات الباب من مطلقاتها ومقيداتها؛ فإن الذي يظهر منها - والله أعلم - أن هذه المطلقات ليست بإطلاقها كما توهم، بل هي منزلة على المقيدات وناظرة إليها ومنطبقة عليها حرفا بحرف و قذا بقذ، وكأن الوجه في ورودها مطلقة تبين الأمر للمشافهين بها من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) باعتبار الخارج من قرينة حال أو مقال.
ولو سلم عدم ظهور ذلك، فلا أقل من صيرورة الإطلاق الذي فيها بملاحظة ما ذكرناه - مضافا إلى مصير المعظم إن لم نقل مصير الكل إلى خلافه - موهونا ساقطا عن درجة الاعتبار والحجية، ومعه يبقى الأصلان المذكوران سليمين عن المعارض.
فتحقيق المقام - على ما يقتضيه القواعد المقررة والاصول المسلمة - أن يقال: إن الوصف الحاصل في الماء عند دخول المتنجس فيه، إما أن يعلم كونه من أوصاف نفس المتنجس كحلاوة الدبس، ورائحة ماء الورد، وحمرة ماء البقم (1) مثلا، أو يعلم كونه من أوصاف النجاسة التي مع ذلك المتنجس كحمرة الدم إذا كان المتنجس متنجسا من جهته، أو يعلم كونه من وصفيهما معا على معنى استناد تغيره إليهما على جهة الشركة، أو لا يعلم شئ من ذلك.
أما الأول: فالمتجه فيه عدم النجاسة لعين ما مر.
وأما الثاني: فالمتجه فيه النجاسة لصدق كونه متغيرا بعين النجاسة فيشمله الأدلة.
وأما الثالث (2): فهو من جزئيات الفرع الأول الذي تقدم الكلام فيه.
وأما الرابع: فهو كالأول، لسلامة الأصلين بالنسبة إليه عن المعارض.
وهذا التفصيل يظهر عن غير واحد من متأخري أصحابنا، منهم ثاني الشهيدين في الروضة، كما أشار إليه بقوله: " فإنه لا ينجس بذلك كما لو تغير طعمه بالدبس [المتنجس] (3) من غير أن تؤثر نجاسته فيه " (4)، وإن كان إطلاق القيد يشمل في كلامه ما