اختصاص الحكم بالقول بالتنجيس دون غيره.
أما الأول: فلأن المستفاد من الروايات الآمرة بالنزح - على تقدير دلالتها على التنجيس - كون سبب النزح وقوع النجس من حيث استلزامه نجاسة ماء البئر، فسبب النزح في الحقيقة هو نجاسة الماء وهي مترتبة على وجود النجس فيه، سواء كان ذلك الوجود حدوثيا أو استمراريا، فإنه ما دام موجودا في الماء كان مقتضيا لتنجسه، فالنزح الحاصل مع وجوده لا يجدي نفعا وإن بلغ في الكثرة ما بلغ، حتى فيما لو كان الواجب نزح الجميع، فإن نزح الجميع حينئذ مع مقارنته لوجود النجاسة إلى الدلو الأخير لا يفيد تطهرا ولو بالقياس إلى أرض البئر، بل هو حينئذ نظير مسألة الغور، فلو تجدد الماء بعد ذلك فعلى القول بأنه ينجس لملاقاته الأرض النجسة لم يزل التنجيس وإن كان ذلك عندنا خلاف التحقيق.
وأما الثاني: فلأن المستفاد من الروايات حينئذ كون أوامر النزح معلقة على وقوع النجس على معنى حدوث ملاقاته الماء، استمرت الملاقاة إلى أن يلحقها النزح أو زالت، فإنها سبب لماهية النزح في ضمن عدد معين، فإذا استكمل العدد صدق عرفا حصول الماهية المقيدة به في الخارج، ومن المقرر أن الأمر مقتض للاجزاء ومع سقوطه فلا نزح بعده وإن كان النجس موجودا، وإلا لزم وجوب الامتثال عقيب الامتثال وهو مع عدم تكرار الأمر غير معقول.
لا يقال: ومن المقرر في مسائل الاصول تكرر الأمر المشروط بتكرر شرطه، فلا معنى لالتزام سقوط الأمر مع وجود النجس الذي هو في معنى التكرر، لأن ذلك غفلة عما قررناه أولا من أن سبب النزح على ما هو ظاهر الأدلة حدوث الملاقاة، ولا ريب أن الاستمرار ليس منه.
ألا ترى أن السيد إذا قال لعبده: " إن دخل زيد في الدار فأضفه "، لا يستفاد منه عرفا إلا سببية حدوث الدخول للضيافة، فلذا لو دخل وبقي فيها مستمرا فأضافه العبد مرة امتثل، ولا يعاقب على ترك الضيافة ثانيا من جهة استمرار وجوده فيها، وإنما يعاقب عليه لو خرج بعد الدخول فدخل ثانيا على وجه صدق معه تكرر الدخول، فالاستمرار لا ينزل في نظر العرف منزلة التكرار جزما.