الوارد في الأخبار، واستحبابه المسلم بحكم العقل والنقل لا ينافي الاكتفاء بغير المعتاد مما هو متداول في العرف.
فإن قلت: لا إشكال كما لا خلاف لأحد في أن الظاهر المنساق من الأخبار إنما هو المتعارف في زمن الصدور، فلم لا تعتبره وتكتفي بالمفهوم العرفي العام؟.
قلت: هذا الظهور إنما هومن جهة اختصاص الخطاب بأهل زمن الصدور بل خصوص المخاطب، لكن قد عرفت سابقا أنه لا مخالفة في لفظ " الدلو " بين عرف ذلك الزمان وعرف سائر الأزمنة إلى زماننا هذا، ولا بين العرف العام واللغة، فإذا اكتفينا بالعرف العام الثابت في هذا الزمان فقد أخذنا بما كان متعارفا نوعه في زمن الصدور جزما.
ومما ذكرنا ظهر أن الاحتمالات الجارية في المقام وفي عبارات الأصحاب من كون العبرة بالمعتاد في زمن الصدور خاصة، أو بالمعتاد في جميع الأزمنة، أو بالمعتاد في زماننا هذا في جميع البلدان، أو بالمعتاد في بلد البئر المبتلى بها، كلها يرجع إلى معنى واحد، وهو كون العبرة بالمفهوم العرفي العام المنصرف عند الإطلاق إلى الأفراد الغالبة، وهي التي صارت معتادة في جميع الأزمنة وكافة البلدان الدائرة بين صغير وكبير غير الخارجين عن الاعتدال والمتوسط بينهما، فالمكلف بحكم إطلاق الأخبار وفتاوي العلماء الأخيار مخير بين الجميع، وإن لم يكن معتادا استعماله على شخص البئر أو نوعها.
نعم، الاحتياط الاستحبابي في اعتبار المعتاد لو كان أكبر من غيره، كما أنه في غيره لو كان أكبر منه.
فما يستفاد من بعضهم وتبعه غير واحد من متأخري المتأخرين بعد اعتبار ما جرت العادة على شخص البئر أو على نوعها من أنه إن تساوت الدلاء فيه في جميع الأزمان فلا إشكال، وإن اختلفت فالغالب، وإن تساوت فالتخيير، ولو لم يكن لها دلو في البلد ولا لأمثالها فدلو أقرب البلدان إليها فالأقرب إن اتفقت، ومع الاختلاف ما تقدم من اعتبار الغالب إن كان وإلا فالتخيير، تكلف غير واضح الوجه.
وينفيه: إطلاق الأخبار، مع الجزم بأن أصحاب الأئمة ما كانوا يلتزمون بمثل هذا التكلف، فلذا لم يقع إليه في النصوص وكلام الأصحاب إشارة.