قلة أو كرية أو لا؟ فعلى الأول يكون المتبع هو الأصل الذي يقتضيه الحالة السابقة، فالمتجه حينئذ الحكم بالنجاسة لاستصحاب القلة أو الحكم بالطهارة لاستصحاب الكرية.
وعلى الثاني: يكون المتبع قاعدة الطهارة بعد الحكم على الأصلين بالتساقط، بل لا أصل في البين حينئذ لانتفاء الحالة السابقة التي هي من أركان الاستصحاب، فيبقى قاعدة الطهارة المستفادة عن عموم " الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر " (١) سليمة.
وأما التعليل بشرطية الكرية وشرطية الطهارة المشكوك فيهما فمما لا يرجع إلى محصل، لأن الكرية شرط في عدم نجاسة الماء بوقوع النجاسة فيه، والطهارة شرط في تطهير النجس، لكن الشرط إذا كان مطابقا للأصل أمكن إحرازه بالأصل، فلم لا يحكم بأصالة الطهارة إن سلمت عن معارضة أصالة عدم الكرية وتقدمها عليها حتى يترتب عليه تطهير النجس؟ ومع عدم السلامة فأصالة عدم الكرية يقضي بالنجاسة فيترتب عليها تنجس الطاهر، ففسد التعليل كما فسد أصل الحكم.
ومنها: ما عن ابن إدريس (٢) الاحتجاج بالإجماع قائلا: " بأن إجماع أصحابنا على هذه المسألة إلا من عرف اسمه ونسبه "، وبقوله (عليه السلام): " إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا " (٣) مدعيا إجماع المؤالف والمخالف على هذه الرواية، فإنها عامة لصورتي تأخر الخبث وتقدمه.
بل عن القاموس (٤) ونهاية ابن الأثير (٥) أن معنى " لم يحمل خبثا ": لم يظهر فيه خبث، وحينئذ يكون دلالته من باب الخصوص لا العموم، لأن عدم ظهور الخبث فيه يستلزم معناه أنه كان سابقا على البلوغ وبعده لم يظهر حكمه فيه.
وبالعمومات الدالة على طهارة الماء وجواز استعماله كقوله سبحانه: ﴿وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به﴾ (٦) وقوله تعالى: ﴿وإن كنتم جنبا فاطهروا﴾ (7)؛ وقوله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر: " إذا وجدت الماء فامسسه جسدك " (8)، وقوله: " أما أنا فلا أزيد على أن أحثوا