عليه، وفي كلام غير واحد منهم صاحب الحدائق (1) في فروع الكر التعليل له بعدم تعقل سراية النجاسة من الأسفل إلى الأعلى، وحكى ذلك عن الشهيد في الروض (2).
ولا يخفى ما فيه، فإن الأحكام الشرعية التعبدية - ولا سيما أحكام الطهارة والنجاسة - لا تقاس بالعقول، فقصور العقل عن إدراك السراية من الأسفل لا يوجب الحكم عليها بالعدم، بعد ما كان مقتضى الأدلة النقلية من العمومات والإطلاقات هو السراية؛ ضرورة جريان قاعدة الانفعال في المفروض أيضا، مع أن السراية التي لا تعقل هنا إن اريد بها سراية عين النجاسة الحاصلة بتفرق أجزائها في أجزاء الماء وامتزاجها معها.
ففيه: أنه منقوض بالمتساوي السطوح من القليل الذي يقع فيه من النجاسات ما لا تتفرق أجزاؤه مطلقا أو في الجملة، فقضية ما ذكر من الاستحالة أن لا يحكم فيه بالانفعال، لأن مبناها على عدم سراية العين وهو حاصل في الفرض، فينبغي من أجل ذلك أن يفصل في مسألة انفعال القليل بملاقاة النجاسة بين ما كان النجاسة الواقعة فيه مما له أجزاء قابلة للتفرق والسراية فيحكم بالانفعال، وبين غيره وهو كما ترى.
وإن اريد بها سراية أثر النجاسة، فأي استحالة في سراية الأثر من الأسفل إلى الأعلى، وأي شئ قضى لكم بها في غير مختلف السطوح، والنجاسة لا تباشره إلا في جزء منه وهو لا يقضي بها هنا ولا يجري في المقام، وهل هو إلا تعبد من الشارع، أو لأن الأثر يسري من جزء إلى جزء آخر بواسطة ما بينهما من الاتصال، وأن الجزء الملاقي لعين النجاسة ينفعل بها ويوجب انفعال ما اتصل به من الجزء الغير الملاقي لها وهكذا أتى آخر الأجزاء، بناء على أن انفعال القليل لا يفرق فيه بين استناده إلى ملاقاة النجس وملاقاة المتنجس، بمعنى أن ملاقاة المتنجس أيضا توجب انفعال الملاقي له كملاقاة النجس، وأي عقل ينكر إمكان جريان الأول في مفروض المسألة، كما أنه أي عقل يقضي باستحالة جريان الثاني فيه، مع أن الواسطة في الانفعال وهو مجرد الاتصال متحققة معه جزما.
فالحق أن الحكم تعبدي ومستنده الإجماع لمن حصل له ذلك، أو منقوله لمن يراه حجة، وقد استفاض من علمائنا الأعلام نقله، ومنهم ثاني الشهيدين في روضه (3) - على