فأما قول الخضر عليه السلام: (هذا فراق بيني وبينك) فان ذلك كان من جهة موسى عليه السلام حيث قال: (إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني) فموسى عليه السلام هو الذي حكم بالمفارقة لما قال: (لا تصاحبني).
وان موسى عليه السلام اختار سبعين رجلا من قومه (لميقات ربه) فلم يصبروا بعد سماع كلام الله عز وجل، حتى تجاوزوا الحد بقولهم (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) فأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا، ولو اختارهم الله لعصمهم، ولما اختار من يعلم منه تجاوز الحد.
فإذا لم يصلح موسى عليه السلام للاختيار مع فضله ومحله، فكيف تصلح الأمة لاختيار الامام بآرائها؟ وكيف يصلحون لاستنباط الاحكام واستخراجها بعقولهم الناقصة وآرائهم المتفاوتة وهممهم المتباينة وإرادتهم المختلفة تعالى الله عن الرضا باختيارهم علوا كبيرا.
وافعال أمير المؤمنين صلوات الله عليه مثلها مثل أفاعيل الخضر عليه السلام، وهي حكمة وصواب، وان جهل الناس وجه الحكمة والصواب فيها.
وفيه عن عباية الأسدي قال: كان عبد الله بن العباس جالسا على شفير زمزم يحدث الناس، فلما فرغ من حديثه، اتاه رجل فسلم عليه ثم قال: يا عبد الله اني رجل من أهل الشام، فقال أعوان كل ظالم إلا من عصم الله منكم، سل عما بدا لك، فقال يا عبد الله بن عباس اني جئتك أسئلك عمن قتله علي بن أبي طالب عليه السلام من أهل لا إله إلا الله لم يكفروا بصلاة ولا بحج ولا بصوم شهر رمضان ولا بزكاة؟؟! فقال له عبد الله ثكلتك أمك سل عما يعنيك ودع عما لا يعنيك، فقال ما جئتك اضرب إليك من حمص للحج ولا للعمرة ولكن اتيتك تشرح لي امر علي بن أبي طالب (ع) وفعاله فقال: ويلك ان علم العالم لا تحتمله ولا تقر به القلوب الصدية أخبرك ان علي بن أبي طالب (ع) كان مثله في هذه الأمة كمثل موسى والعالم عليهما السلام، وذلك أن الله تبارك وتعالى قال في كتابه (يا موسى اني اصطفيتك على الناس برسالتي وبكلامي فخذ ما اتيتك وكن من