فلما رجعت ابنتا شعيب قال لهما: أسرعتما الرجوع فأخبرتاه بقصة موسى، ولم تعرفاه، فقال شعيب لواحدة منهن: اذهبي إليه فادعيه لنجزيه اجر ما سقى لنا، فجاءت إليه تمشي على استحياء فقالت له: ان أبي يدعوك ليجزيك اجر ما سقيت لنا. فقام موسى معها فسفقتها الرياح فبان عجزها، فقال لها موسى: تأخري ودليني على الطريق، فأنا من قوم لا ينظرون في ادبار النساء.
فلما دخل على شعيب قص إليه قصته فقال شعيب: لا تخف نجوت من القوم الظالمين، قالت إحدى بنات شعيب: يا أبت استأجره ان خير ما استأجرت لقوي امين، فقال لها شعيب: اما قوته فقد عرفتيه بسقي الدلو وحده، فبم عرفت أمانته فقالت: انه قال لي تأخري عني فأنا من قوم لا ينظرون في ادبار النساء، فهذه أمانته. فقال له شعيب: اني أريد ان أنكحك إحدى بناتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فان أتممت عشرا فمن عندك فقال له موسى: ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا سبيل علي. ثم انه أتم عشرا.
قلت: فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين أيجوز ذلك؟ قال:
ان موسى عليه السلام علم أنه يتم بشرطه فكيف لهذا ان يعلم أنه يبقى حتى يفي.
فلما قضى موسى الاجل قال: لا بد ان ارجع إلى وطني وأمي وأهل بيتي فما لي عندك؟ قال شعيب: ما وضعت أغنامي في هذه السنة من بلق فهو لك، فعمد موسى عند ما أراد ان يرسل الفحل على الغنم إلى عصاه فقشر منه بعضه وترك بعضه وغرزه في وسط مربض الغنم والقى عليه كساء أبلق، ثم ارسل الفحل على الغنم، فلم تضع الغنم في تلك السنة الا بلقا، فلما حان عليه الحول، حمل موسى امرأته وزوده شعيب من عنده وساق غنمه، فلما أراد الخروج قال لشعيب إعطني عصا تكون معي، وكان عصى الأنبياء عنده قد ورثها مجموعة في بيت فقال له شعيب:
ادخل في هذا البيت وخذ عصا من بين تلك العصي. فدخل فوثبت عليه عصا نوح وإبراهيم صلوات الله عليهما وصارت في كفه فأخرجها، ونظر إليها شعيب فقال:
ردها وخذ غيرها فوثبت إليه تلك العصا بعينها حتى فعل مثل ذلك مرات، فلما