وخاصة أهل البلد. قال: ونظر يحيى بن زيد إلى ذلك الحق قد وافوه. فوثب إلى درعه فأفرغه عليه ثم قال لأصحابه (1) الذين معه: كونوا رجالا وحاموا عن أنفسكم في هذا اليوم وإلا قتلتم! فتقدم يحيى بن زيد حتى وقف أمام أصحابه ثم قال: يا هؤلاء! لماذا خرجتم إلي، فوالله ما أردتكم، وإنما أنا رجل مجتاز فخلوا لي الطريق أجوز! قال: فلم يكلمه أحد منهم ورمي بالنشاب، فرجع إلى ورائه وجعلت السهام تأخذ أصحابه حتى قتل منهم جماعة. قال: ويحيى بن زيد يومئذ على فرس له قد حمله عليه نصر بن سيار، وعليه جبة صوف، وهو مقلد بسيف حنفي، فقال لأصحابه: يا هؤلاء أنتم تعلمون أني لم أرد هؤلاء القوم، وإنما أنا ماض إلى العراق كما أمرت، وهؤلاء القوم قد بغوا علي كما ترون، وهم عازمون على قتلي وقتلكم، وأنا مانع عن نفسي فامنعوا عن أنفسكم! قال فقال له أصحابه: يا بن رسول الله!
إنهم لو كانوا في أضعاف ما هم فيه لما أمكناهم من أنفسنا، ولكن ناشد القوم واعذر إليهم. فإن هم ارتدعوا ورجعوا عنا وإلا قاتلناهم واستعنا الله عليهم. قال: فعندها ناشد يحيى بن زيد وقال: يا هؤلاء اتقوا الله وانصرفوا عنا، فإنا لن نخرج من مدينة مرو إلا بإذن الأمير نصر بن سيار وأمير المؤمنين الوليد بن يزيد (2)، وهو الذي أرسل إلى عامله فأطلقني، فإن لم تصدقوا ما أقول فاكتبوا إلى صاحبكم نصر بن سيار واسألوه عن ذلك، وأنا نازل على باب مدينتكم هذه إلى أن يرد عليكم الكتاب!
قال: فلم يلتفت القوم إلا كلام يحيى بن زيد ثم حملوا عليه وعلى أصحابه، فاقتتل القوم ساعة وحمل أبو الفضل وهو أخو يحيى بن زيد من الرضاعة فقاتل قتالا شديدا حتى أتى إلى عمرو بن زرارة أمير نيسابور فلم يكذب أن ضربه ضربة جندله صريعا، ووقعت الهزيمة على أهل نيسابور، فلم يقف أولهم على آخرهم فولوا مدبرين، وأخذهم السيف من كل جانب إلى أن قتل منهم خلق عظيم، ودخل الباقون إلى مدينة نيسابور مغلولين فأنشأ بعضهم يقول:
ألم تر أهل نيسابور لما * لقوا الابطال لم يغنوا قتيلا لقوا مائة وهم عشرون ألفا * فما صبروا ولا منعوا قتيلا قال: ثم أقبل يحيى بن زيد على أصحابه فقال: إنا كنا قد عزمنا على المسير