أم منسوخه، أم محكمه، أم متشابهه. قال: فتبسم أمير المؤمنين الرشيد ثم التفت إليه وقال: إن الرجل لكما وصفت إن لم تكن فيه نخوة قريش! قال: فسكت الامام الشافعي ولم يقل شيئا، فقال له الرشيد: كيف علمك بالفرائض؟ فقال: يا أمير المؤمنين ما شذ علي شيء منها، وإني لأعرف حلالها وحرامها واختلافها، فقال:
وكيف علمك بالاحكام؟ فقال: يسأل أمير المؤمنين عما شاء وعن أي نوع شاء من نوع الاحكام وما اختلف فيه الاسلام، فقال: كيف علمك بالطب؟ فقال: إني لأعرف ما قالت فيه فلاسفة الهند والروم وأبقراط وجالينوس وأرسطاطاليس وغيرهم من العلماء والحكماء، قال: فكيف علمك بالنجوم؟ قال: إني لاعلم قطب الدائرة (1) ومنازل القمر والبروج كلها من المؤنث والمذكر وما يهتدي به البر والبحر، قال:
فكيف علمك بالشعر؟ فقال: لقد رويت منه القديم والحديث، والجد والهزل، وما يحض على المكارم والبذل، قال: فكيف علمك بالعرب؟ فقال: إني لأعرف أنساب السادة الكرام والأراذل اللئام، فقال الرشيد: يا بن إدريس! لقد ادعيت من العلوم عظيما وإخالك بما ذكرت عليما، فعظ أمير المؤمنين عظة تبين له بعض ما ادعيت! فقال: نعم يا أمير المؤمنين! على طرح الحشمة وترك الهيبة وقبول النصيحة وإلقاء رداء الكبرياء عن عاتقك، فقال الرشيد: ولك ذلك وأنت آمن، فقل ما بدا لك! قال: فجثا الشافعي على ركبتيه بين يديه ثم قال: يا ذا الرجل! من أطال عنان الامر في العز طوى عنان الحزن في المهلة، ومن لم يبادر إلى طريق النجاة كان مقيما على قلة الاكتراث بالمرجعة إلى الله تعالى، ومن استعمل حسن الظن فيما يحذر من المحذور كان في أمره كمثل نسج العنكبوت، وأليس الناس من بادر مطايا المراجعة إلى دار المقامة، ولو فعلت ذلك لما أنفذت إليك يد الندامة ولا الحسرات غدا في عرصات المقامة، ولو فعلت ذلك لما أنفذت إليك يد الندامة ولا الحسرات غدا في عرصات القيامة، ولكنك أتيت من جلد لا يؤدى حقه إلى طليل، ومن أذن يمج الكلام مجي عن اذنك ثم أعقبك التواني والاغترار بنفسك، ولو كان لك دليل يدل على ما سقط من عيبك لشغلك ذلك عن عيب غيرك لكن ضرب عليك الهوى رواق الحيرة فتركك إذا أخرجت يدك لم تكد تراها، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور! فاتق الله أيها الرجل تقوى من يعلم أن الله عليه رقيب، ومن علم أن الله بالقيامة حسيب. قال: فدمعت عينا أمير المؤمنين الرشيد حتى بل منديله، فقال له بعض خدم الخواص: اسكت فقد أبكيت أمير المؤمنين! قال: فالتفت إليه