عبد الله رأسه إلى السماء فقال: إلهي وسيدي ومولاي! إلى كم نقتل فيك وفي طاعتك! إلهي وسيدي ومولاي! أنت تعلم أن هؤلاء القوم الذين نقاتلهم هم الذين قتلوا أهل بيت نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وشردوهم في البلاد، اللهم! فانصرنا عليهم يا ذا الجلال والاكرام. قال: واشتبك الحرب بينهم، فصارت الدائرة على أصحاب مروان فقتل منهم بشر كثير وجعل بعضهم يقف خلف بعض، وصاح مروان: يا معشر السكاسك (1) والسكون احملوا! فقالوا: قل لبني عامر (2) أن يحملوا، فقال مروان: يا بني عامر (3) احملوا! فقالوا: قل لأسد وتميم أن يحملوا. قال: فأحس مروان بالخذلان فالتفت إلى صاحب علمه (4) فقال: قدم علمك! قال: لا أفعل، قال: لئن لم تفعل لأشوهن بك، قال: لئن قدرت فافعل. قال: ثم نكس علمه وقفع فرسه وصار إلى عبد الله بن علي، قال: ونظر أهل الشام إلى صاحب علمه قد استأمن فانكسروا لذلك، ووقع فيهم القتل وعزموا على الهزيمة. قال: وثنى مروان رأس فرسه أيضا فظنوا أنه قد انهزم، فولى الناس وجعلوها هزيمة. قال: وجعل مروان يناديهم: ويحكم أنا أمير المؤمنين! أنا مروان بن محمد! فلم يعرج عليه أحد من الناس، فلما رأى ذلك انهزم. قال: وتبعه عبد الله بن علي هو وأصحابه، فجعل البعض يأخذهم من شاطئ الفرات إلى أرض الموصل. قال: وانقطع الجسر فغرق من أصحاب مروان خلق كثير، فجعل عبد الله بن علي يتلو هذه الآية (وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون) (5). قال: وجعل رجل من أصحاب عبد الله بن علي ينظر إلى هزيمة القوم وما حل بهم من الانكسار يزدجر ويقول (6):
لج الفرار بمروان فقلت له (7) * عاد الظلوم ظليما همه الهرب أين الفرار وترك الملك إن ذهبت * عنك الهوينا فلا دين ولا حسب قال: واحتوى عبد الله بن علي على جميع ما كان في عسكر مروان وضمه