أخذه الله علي من ميثاقكم، وكرهت أن أخرج من الدنيا ولاحد علينا يد له لا أكافيه عليها بقول ولا فعل، وإنه والله يا أمير المؤمنين أنت أبر بي وأكثر إلي إحسانا منه فتجنب ذلك يكن شكري لك، فقال أمير المؤمنين: اجتنبت يا أبا هشام ومثلك فليصطفه الرجل. قال: ثم أمر له بثلاثين ألف دينار (1).
قال المدائني: لما نصب رأس مروان بالكوفة على رمح واجتمع إليه الناس ينظرون إليه. وفيهم يومئذ حفص بن النعمان مولى عبد الله بن زياد، فجعل ينظر إليه ويترحم عليه ويقول فيه كل جميل، فرفع خبره إلى أبي العباس فدعا به ثم قال:
كيف قلت؟ فقال: ما قلت إلا كل جميل، فقال رجل ممن حضر: يا أمير المؤمنين! كذب، ما قال جميلا ولكنه نظر إلى رأس مروان وجعل يترحم عليه ويستغفر له، فقال حفص بن النعمان: كذب يا أمير المؤمنين! إني نظرت إلى رأس مروان فأنشأت أقول:
عبرنا زمانا على دولة * تسام من الذل ألوانها وكانت أمية في ملكها * تجور وتظهر طغيانها فلما رأى الله أن قد طغت * ولم يطق الله عدوانها رماها بسفاح آل الرسول * محمد يكفيه أعنانها فأهلا ببيعة آل الرسول * ومن كان نرقب إبانها ورحمة ذي العرش تترى عليك * ولا رحم الله مروانها فقال الناس: إنه لم يقل كذا يا أمير المؤمنين! ولكنه مدح بني أمية، فقال أبو العباس: اسكتوا فقد علمت ما قال، ثم قال: أنشدني ما قلت وأنت آمن! فقال:
نعم يا أمير المؤمنين! إن القوم كانوا إلي محسنين فقلت هذه الأبيات شرح حالي:
إن المكارم من أمية والألم * كانوا العيون لذي الشين اللزم أضحى رهائن فقده صاروا بها * هاما لتحريق الرياح للنسم صارت أكاليل الرماح رؤوسهم * وكم يقول مغرم.......... (2) لهفي عليهم سادة من بعدهم * أخنى الزمان على الفقير المعدم فقال له أبو العباس: صدقت! هكذا قلت ولا تلام، ثم أمر له أبو العباس