فركب بعضهم بعضا، وضربت الطبول، وخفقت الرايات، ونفخت البوقات، وارتفع التكبير، أقبل أبو سلمة حفص بن سليمان حتى دخل المسجد وعليه سواد، ثم صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه، وذكر محمدا فصلى عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، ثم قال: أيها الناس! هل أنتم راضون بما أصنع؟ فقالوا: رضينا بأمرك، افعل ما بدا لك، فقال: إن الأمير أمير آل محمد أبا مسلم الخراساني عبد الرحمن بن مسلم كتب إلي وأمرني أن أقيم للناس خليفة هاشميا، لتستريح هذا الخلق من جور بني أمية العاتين الظالمين الفسقة الذين قتلوا ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا! وإنا قد نظرنا في أخبار بني هاشم وذوائبها فما رأينا فيها أحدا هو أجل ولا أعبد من علي بن عبد الله بن عباس وابنه محمد، وكل بني العباس خيرون فاضلون، وقد ارتضيت لكم عبد الله بن [محمد بن] (1) علي بن عبد الله بن عباس، وهو الزكي في حسبه، التقي في نسبه، العدل في سيرته، فهل رضيتم به؟ قال: فضج الناس من كل جانب: نعم رضينا.
ثم نزل أبو سلمة عن المنبر وأرسل إلى عبد الله بن محمد فدعاه، فأقبل عبد الله بن محمد على بغلة له دهماء (2) وهو معتم بعمامة سوداء وعليه ثياب سود حتى دخل المسجد، وذلك في يوم الجمعة، وقد أذن المؤذن، فصعد أبو العباس عبد الله بن محمد المنبر، فحمد الله واثنى عليه وصلى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ثم خطب خطبة بليغة (3) شوق فيها إلى الجنة وحذر فيها من النار، وذكر ما وعد الله عباده المتقين وما أعد الله للظالمين، ثم قال: أيها الناس! بايعوا ولا تختلفوا، فإنكم لم تبايعوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم والأئمة الأخيار بعده أهدى من هذه البيعة، لأنكم كنتم مقهورين مظلومين، وكنا معكم على مقت مغلوبين مغصوبين، فأقام الله لنا شيعتنا من أهل خراسان، فعرفوا لنا أقدارنا وطلبوا لنا بثأرنا، فالحمد لله رب العالمين والسلام.
قال: ثم نزل فصلى بالناس صلاة الجمعة، فلما فرغ من صلاته جلس قريبا من السرير ثم بسط يديه، فازدحموا عليه بالبيعة حتى كسروا درابزين المقصور.