واستأذن، فأذن له فدخل وسلم، فلما رآه تبسم في وجهه ثم قال أمير المؤمنين يا:
سديف! أنشدنا شيئا! فرفع صوته وأنشأ يقول أبياتا مطلعها:
دار سلمى نهيضة الأبيات * لست من أسرتي ولا من كنات إلى آخرها.
قال: فقال أبو العباس: أحسنت يا سديف، أعد، فأعاد! ثم قال:
أعد، فأعاد، فقال أبو العباس: يا صالح! أعط سديفا ألف دينار، ثم قال للحاجب: أغلق الباب وهات الكافر كوبات (1)، قال: فدخل الأعوان وفي أيديهم الخشب المسودة، فقال أبو العباس: انكوا على أعداء الله! فإن هذا يوم قد أذن الله في هلاكهم. قال: فنكوا على بني أمية بالخشب فقتلوهم عن آخرهم - وهم ثمانون رجلا أو يزيدون - فما أبقى أبو العباس منهم على أحد إلا على الثلاثة: سليمان بن هشام بن عبد الملك وابنيه، فإنه أبقى عليهم فلم يقتلهم من وقته. ثم أمر بالأنطاع فألقيت عليهم، وأمر بالموائد فأحضرت ووضعت على الأنطاع، ثم التفت إلى من حضر من ولد العباس وولد أبي طالب رضي الله عنهم فقال: كلوا فقد برد الغليل.
قال: وكان القوم يأكلون وإن الموائد لترفع أو تحط من تحرك القوم ونفسهم. قال:
ثم أمر بهم فصلبوا في بستان له في داره. قال: وإنه ذات يوم يأكل ومعه جماعة من ولد أبيه وولد علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وباب البستان مفتوح إذ فاحت روائح القوم، فقال من كان حاضرا على المائدة: يا أمير المؤمنين! لو أمرت بغلق هذا الباب؟ فقال: إن رائحتهم لأعجب من رائحة المسك! فكلوا واحمدوا الله تعالى على هلاكهم.
قال: فبينا هو ذات يوم كذلك إذ استأذن سديف بن ميمون فأذن له فدخل، فلما مثل بين يديه تبسم أبو العباس في وجهه فقال: إيه أيا سديف! فطفق ينشد ويقول أبياتا مطلعها (2):
أصبح الملك ثابت الأساس * بالبهاليل (3) من بني العباس