قال: ثم نزل الحجاج عن المنبر ودخل إلى قصر الامارة فأقام ثلاثا، فلما كان في اليوم الرابع وقعد للناس وأمر بفتح أبوابه، ووضع للناس العطاء، فجعلوا يقبضون ويتجهزون إلى المهلب بن أبي صفرة لحرب الأزارقة.
قال: وأقبل رجل من بني تميم يقال له عمير بن ضابئ (1) البرجمي ومعه نفر من بني عمه حتى أوقفهم على باب الحجاج، ثم دخل فسلم فقال: أيها الأمير!
أصلحك الله وأصلح على يديك، وجعلك صلاحا لمن لاذ بك ولجأ إليك وأناخ بفنائك، فإنك كهف للعرب وطودها بعد أمير المؤمنين، إني قد سمعت النداء وخرج اسمي في هذا البعث إلى حرب الأزارقة وأنا شيخ ولي ابن هو أقوى مني وأجلد في الحرب وأصبر في السفر، فإن رأى الأمير أيده الله أن يقبله مني بديلا ويمن علي بلزوم منزلي فعل موفقا مانا متفضلا، فإني سأملأ الأرض ثناء والسماء دعاء، والشاكر محبوب وقد أحبه الله عز وجل وأمر به عباده، فقال جل ثناؤه وتقدست أسماؤه (واشكروا لي ولا تكفرون) (2) وقد قال الشاعر حيث يقول:
فإن كان يستغني عن الشكر ماجد * لعزة مجد وارتفاع مكان لما أمر الله العباد بشكره * فقال اشكروا لي أيها الثقلان قال فقال الحجاج: يا شيخ! فإننا قد أجبناك إلى ما سألت، انطلق فوجه بابنك بديلا فلا بأس بشاب يكون مكان شيخ. فلما ولى الشيخ من بين يدي الحجاج التفت كاتب الحجاج عنبسة بن سعيد (3) فقال: أصلح الله الأمير أتعرف هذا الشيخ؟
فقال الحجاج: لا، قال: هذا عمير بن ضابئ البرجمي الذي دخل على أمير المؤمنين عثمان بن عفان في يوم الدار وهو مقتول فكسر ضلعا من أضلاعه، قال فقال له الحجاج: أيها الشيخ الضال! ألست القائل يوم قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان هذا البيت:
أردت (4) ولم أفعل وكدت وليتني * تركت على عثمان تبكي حلائله (5)