كأنهم لم يفعلوا شيئا. فقال المهلب: هكذا الرجال يا بني، أما والله أن لولا الكتاب المؤجل إذا لأبادونا أو أبدناهم.
قال: وضجرت الأزارقة وملوا من الطعن والضرب فولوا مدبرين نحو المدينة البيضاء، فقال المهلب لأصحابه: لا تتبعوهم! فوالله ما انصرفوا حتى انتصفوا منا وانتصفنا منهم. قال: فأنشأ المغيرة بن حبناء التميمي في ذلك يقول أبياتا مطلعها:
أتى ابن مخراق ليقضي نذره * وكان إذا ما قال افعل تفعلوا إلى آخرها.
قال: وأقبل المهلب حتى نزل على مدينة البيضاء والأزارقة مجتمعون بها، فنزل عليهم وحاصرهم وضيق عليهم غاية الضيق، فلما رأوا ذلك خرجوا إليه كالسباع الضارية، وجعل رجل منهم ينادي: يا معشر المحلين! حتى متى نفر منكم، هذا يوم نموت فيه جميعا. قال: وتقدم عمرو القنا حتى وقف بين الجمعين وجعل ينادي: أين أبو غسان؟ أين المفضل بن المهلب؟ قال: فما لبث أن خرج إليه المفضل وبين يديه رجل من الأزد يحرضه على حرب القوم، وهو يقول أبياتا مطلعها:
أقدم فدتك النفس يا مفضل * فأنت من إخوتك المبجل إلى آخرها.
قال: فحمل عليه عمرو القنا (1) وفي يده لواء الأزارقة، وحمل عليه المفضل فطعنه في صدره طعنة، فأوهنه حتى سقط اللواء من يده فأخذ أصحاب المفضل اللواء من عمرو، ومر عمرو مجروحا لما به، فأنشأ المغيرة بن حبناء التميمي يقول في ذلك أبياتا مطلعها:
يا عمرو لا تلقى المفضل بعدها * بلواء قومك إذ سلبت لواءكا إلى آخرها.
قال: وأقبلت الأزارقة على عمرو القنا فقالوا: يا عمرو! إنه قد أخذ منك اللواء ورجع بغيرك، ألا تعلم أنه عار عليك وعلى عشيرتك! قال: فرجع عمرو القنا إلى الحرب ثانية، واشتبك القتال بين الفريقين، وحمل عمرو القنا على رجل من