طاعته، فهو منا ونحن منه، ومن ركب الموماة وأخذ في الشبهات، فلات حين مناص، لأهل الهنات والمعاصي، يا أهل الكوفة! ما تخافون أن تغير عليكم الخيل الملجمة، عليها الكماة المعلمة، فتترك رجالكم كأمثال الزقاق الناصبة، السائلة بأرجلها العاصبة، ألا! إن سيفي سيروى من دمائكم، ويفرى من جلودكم، فمن شاء فليحقن دمه، وإلا أطعمت السباع لحمه، وأقمت الرخم على شلوه، فمهلا مهلا يا أهل العراق! فإن مثلي يقرن الصعاب ويرتبط الخيل العتاق، لأني في الحروب ولدت، وفي الحروب نشأت وحنكت، ونبتت نواجذي، وصلع رأسي، ألا! وإني قد سست وساسني السائسون، وأدبني المؤدبون، فاستقيموا وبايعوا، واسمعوا وأطيعوا، واعلموا أنه ليس مني الاكثار ولا الاهدار، ولا الفرار والنفار، وإنما هو انتضاء هذا السيف البتار، ثم لا يغمد حتى يذل الله لأمير المؤمنين صعبكم، ويقيم له أولادكم، ألا! وإني وجدت اليسر مع الصدق، والصدق في الجنة، ووجدت الكذب مع الفجور، والفجور في النار، ألا (1)! وإن أمير المؤمنين قد أمرني أن أوفر عليكم عطاياكم وأن أشخصكم إلى مجاهدة عدوكم، وقد أمرت بذلك لكم، والحجاج بن يوسف يعطي ربه عهدا يأخذه ويستوفيه منه، لئن بلغني أن رجلا منكم تخلف عن قبض عطائه يوما واحدا لأضربن عنقه، ولأنهبن ماله ولأهدمن داره (1).
ثم قال: يا غلام! اقرأ عليهم! [فقرأ عليهم] كتاب أمير المؤمنين إلى من بالعراق: بسم الله الرحمن الرحيم، من عند عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين، إلى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم - فلم يقل أحد شيئا، فقال الحجاج: يا أهل الفتن! يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون عليه السلام! أما والله لأؤدبنكم بأدب غير هذا إن شاء الله ولا قوة إلا بالله! يا غلام! أعد القراءة، فلما بلغ إلى قوله: سلام عليكم، لم يبق أحد في المسجد إلا قال: وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته، وعلى الأمير معه. قال: ثم قرأ الكتاب عليه بالسمع والطاعة للحجاج حتى إذا أتى على آخره قال (2) الناس: سمعنا وأطعنا أيها الأمير!
فمد الله لنا في عمرك.