الأنصاري فقال: يا أخي! فكأني والله وإياك إنما كنا على أمر واحد غير أن الالفاظ مختلفة، وذلك أني قمت عن مجلس حين افترقنا بالأمس وبي من الفرقة والأسف لتشتيت الفرقة ما لا أبلغ وصفه حزنا على إخواني، وما رأيت من مفارقتهم لنا ونقضهم علينا ما نحن فيه من الألفة والمودة، فأتيت إلى منزلي وظللت عامة ليلي أدير عيني على الغمض فلا أقدر على ذلك، فبينا أنا كذلك بين النائم واليقظان إذ أنا بهاتف يهتف بي وهو يقول:
يا خائضا في غمرة (1) الجهل * وحائدا عن واضح السبل لست على شيء فلا تكذبن * في راجع التوبة في مهل من قبل يوم معظم هائل * يشيب رأس المرضع الطفل فلما سمعت ذلك استيقظت وما معي شيء من عقلي، فهذا والله يا إخوتي ما رأيت. فلما سمع القوم ذلك عجبوا وجعل بعضهم يقول لبعض: كيف حتى خص محمد بن زرعة ويعقوب بن عبد الكريم (2) بهؤلاء الهواتف من بيننا هذا سكون لنا بنا. قال: ثم أقبل سعيد بن إسماعيل الأسدي على محمد بن زرعة وهو يقول:
لولا الذي أضمرت من غدره * ما راعك الهاتف إذ يهتف خصصت بالهاتف من بيننا * ما لك في قولك لا تنصف والله رب العرش يا إخوتي * فإنني مجتهدا أحلف لا خنت من أهوى ولا شتمته * جهرا ولا مثلي به يوصف قال: ثم أنشأ هارون بن الحصين التميمي وهو يقول:
أبالأحلام أسلو عن هواي * لأقوام أتوا بالترهات أتونا يزعمون بأن آت * أتى بنصيحة عند البيات يحضهم على هجر وغدر * وقطع الحبل منا والشتات فمن يك راغبا عن وصل ألف * فلست براغب حتى الممات قال: وتفرق القوم أيضا ليلتهم تلك وقد وفق الله عز وجل للتوبة خمسة نفر:
[ابني] عمرو، وبشر بن مطر الأزدي ومحمد بن زرعة العبدي ويعقوب بن